إعداد: محمد المنيف
ما زلنا نستعرض وبحذر شديد مسيرة المرأة التشكيلية السعودية ضمن سلسة حول المرأة في الفن التشكيلي عالميا وعربيا وخليجيا وعربيا والحذر هنا ناتج عن معرفتنا فرط الحساسية لدى تشكيلياتنا، مع الإشارة إلى أننا حينما نجزئها بهذا الشكل خصوصا العربية فذلك لكون كل منها له خصوصيته وعلاقته بهذا الفن ومصادر الاستلهام عودا إلى تنوع البيئات والحياة الاجتماعية، وذكرنا أن حضور المرأة على المستوى العربي كما جاء في الحلقات السابقة متقارب نسبة إلى حضور هذا الفن من قبل الرجال في وقت مبكر سبق تأسيسه في الخليج، إضافة إلى أن الفن التشكيلي في دول الخليج جاء مكملا لتلك المراحل ومن بينها المملكة التي تعتبر في الرقم قبل الأخير في التحرك نحو المنافسة خارج الحدود عربيا وعالميا ومع ذلك حققت الفنون التشكيلية السعودية النجاح الذي يلغي أهمية السؤال متى وكيف بدأ؟.
نعود اليوم لنستكمل مشوارنا مع المرأة في الفن التشكيلي السعودي بعد أن ذكرنا وألمحنا للبدايات والأسماء المعروفة وبعض الأسماء التي أكملت مرحلة البدايات.
معوقات الحضور
قبل أن نتحدث عن بدايات المشوار النسائي للمرأة التشكيلية السعودية نود هنا أن نتعرف على معوقات تأخر المرأة في المشاركات وقد يكون منها انعدام الآلية أو الطريقة التي يمكن من خلالها أن تتصل المرأة مباشرة مع الجهة التي تقوم على تنظيم المعارض، مما جعلها في حاجة للعديد من السبل لتضمن وصول اللوحة إلى موقع المعرض أو الجهة المنظمة ثم عودة اللوحات سالمة بعد نهاية المعرض، هذه المشكلة كانت من أبرز أسباب تأخر مشاركة التشكيليات مع زملائهم التشكيليين إلى أن بدأت الرئاسة العامة لرعاية الشباب الإعلان عن قبولهن في المعارض من خلال نظام للتسليم والاستلام يحقق رغبتهن لكن تلك المشاركات كانت في بدايتها متذبذبة بين معرض وآخر كما ساهمت الجمعية السعودية للثقافة والفنون بدور فاعل في هذا المضمار من خلال رصد وتسجيل الأسماء والإعلان عن قبول الأعمال النسائية في معارضها منذ أول خطواتها فأصبحت هناك فرصتان رسميتان من الرئاسة العامة لرعاية ولشباب وجمعية الثقافة والفنون.
أما المعوق الثاني الذي أيضا كان يشكل معضلة أو سببا في رفض مشاركة المرأة يتمثل في المستوى المتدني للأعمال المقدمة في تلك المرحلة إلا من القليل جدا منهن، ويمكن أن نأخذ نتائج المسابقات دليلا على أن المستوى التقني والموضوعي لأعمال التشكيليات حرمن بسببه فترات طويلة لم يحققن فيها المنافسة مع الرجال فلم يحدث أن منحت أي منهن جائزة متقدمة في أي معرض وقد يرى بعضهم أن من أسباب هذا التدني في مستوى الأعمال عائد إلى عدم وجود المعاهد أو الأكاديميات أو الأقسام المتخصصة في الفنون التشكيلية.
ريادة بدايات ومرحلة التأسيس
هذا الواقع وتلك المعوقات رغم أنها مؤثرة ومصدر إزعاج يقارب الإحباط إلا أن هناك كثيرا منهن حظين المشاركات خصوصا في المنطقتين الغربية والشرقية باعتبارهن الأكثر عددا في مشاركات التشكيليات، وإذا كنا قد أشرنا إلى بعضهن في الحلقة الماضية وكان نصيب المنطقة الغربية أكبر فلنا أن نذكر بعض الأسماء من المنطقة الشرقية مع ملاحظة أن كثيرا منهن قد توقف أو قل حضوره ومشاركته فمن التشكيليات الأوائل في المنطقة الشرقية ممن شاركن منذ السبعينيات الميلادية تحديدا في معرض المسابقة الأولى للفنون التشكيلية التي أقامها مكتب لرئاسة العامة لرعاية الشباب بالدمام عام 77م أو فرع الجمعية السعودية للثقافة والفنون منذ عام 78م كل من. بدرية الناصر شعاع الدحيلان، بدرية الحمراني، فاطمة السليمان، هيا المحسن، منيرة العماري، منى النزهة، كما نجد في الرياض أيضا أسماء أخرى ساهمت في الحضور ولو بشكل أكثر حداثة مع بدايات الثمانينيات الميلادية نذكر منهن شريفة السديري، نورة بنت بدر، مها الملوح، جوهرة الشعيبي، سلوى الحقيل، سعاد العبد الله، غادة بنت مساعد، هلا بنت خالد، وداد الشريف، وغيرهن سنستعرض بعضا منهن كنماذج للتجربة التشكيلية النسائية السعودية في الحلقات القادمة.
هذه البداية وتلك الخطوات مع ما فيها من صعوبة تحملتها نخبة من التشكيليات على مستوى المملكة ومن مختلف مناطقها يحق لنا أن نعتبرهن رائدات البدايات وحاملات راية المقدمة في مسيرة التشكيل (النسائي) بالمملكة في وقت كان حضورهن ومشاركاتهن يمر بصعوبات وتحفظ من قبل الأسر ومن المسؤولين عن المعارض شكل قاعدة هامة في بناء الجسد التشكيلي الحالي (الجانب النسائي) الذي أصبحت فيه الساحة تغص بالأسماء الكثيرة، دفع أسماء جديدة إلى التحرك وإثبات الذات وتأسيس جسور لحضور المرأة في الفن التشكيلي بشكل أكثر تنظيما وخصوصية وبحث عن الحقوق.
مرحلة إثبات الذات
مع أن الفترة لتي قطعتها المرأة التشكيلية السعودية للحاق بالرجل كانت طويلة إلا أنها جاءت بشكل مكثف ومندفع توالى فيها حضور التشكيليات بشكل كبير وبأعداد تفوق الرصد والمتابعة، قد يكون من أهم أسبابه بحث التشكيليات عن سبل إثبات الذات والتعريف بإبداعهن عبر فتح الثغرات في المعارض التشكيلية التي استحوذ عليها التشكيليون بشكل كبير افقد التشكيليات حقوقهن، ولهذا أخذ التشكيليات في تنظيم خطواتهن كل في محيطه دون اتفاق مسبق ولكنه توارد الخواطر والإجماع على فكرة الهدف منها وضع مساحة وموقع لهن في مسيرة الفن التشكيلي السعودي، هذه الفكرة ولدت العديد من الخطوات منها الفردي المتمثل في المعارض الشخصية لعدد من التشكيليات تبعاه خطوات أكثر قربا والتحاما عبر معارض ثنائية ورباعية وصولا إلى المعارض الجماعية غالبيتها بجهود شخصية ومبادرات من تشكيليات لديهن النفس الطويل في مثل هذا التحدي، تواصل الحضور إلى مرحلة اعتراف المؤسسات الرسمية بهذه الكثافة وأهمية وضع إطار يلملم شتاتهن ويمنحهن التقدير والتكريم سيكون لنا معه وقفة مفصلة.
أجيال لاحقة وفن معاصر
اتسمت مسيرة التشكيليات بالتنوع وتعدد التجارب واختلاف المستويات وتحولت ساحتهن إلى مضمار للتسابق نحو تحقيق أفضل النتائج لإقناع المتابعين والجمهور والوصول إلى التوازي مع الجديد في العالم، هذا الشعور قاد بعضهن إلى البحث والتجريب والتميز منحهن الثقة للمنافسة مع من سبقهن محليا وعربيا وعالميا ومنهن مما زال يدور في فلك المحلية واستلهام الواقع أو البحث عن سبل تضمن لهن استمرارية المشاركات أو الحضور في الساحة وهن الأكثرية مع ما يحسب لهن من جهد في دعم البدايات، ساهم هذا الواقع في إثراء الساحة وأصبح بإمكان المتابع والراصد أن يميز بين التجارب السابقة للتشكيليات وبين ما وصلت إليه تجاربهن الحديثة التي خاضت بها نخبة تمتلك الثقافة والوعي والموهبة عبر تواصلهن مع الآخر واكتشاف الجديد في الساحات العالمية وكيفية توظيف هذا الجديد فيما يخدم الفكرة المستقاة من موروث بصري أو أدبي مؤطر بالقيم والمبادئ التي تشكل الهوية.
المؤسسات المتخصصة
مع أننا سنستعرض هذا الجانب بشكل خاص لكونه يشكل منعطفا هاما في مسيرة فنون المرأة التشكيلية السعودية إلا أننا نوجز لنختم هذه الحلقة ونشير إلى أن المرأة التشكيلية لم تتوقف عند البحث عن حلول للحصول على حقها الشرعي في المشاركة مع الرجل في هذا المجال في حدود المعارض والمسابقات بل إن هناك نخبة منهن تحملن مسؤولية دعم الفن التشكيلي عامة والنسائي بشكل خاص عبر تأسيس مؤسسات متخصصة وقاعات عرض لإقامة المعارض والمسابقات ومنح المشاركات الجوائز التي لم يكن لهن فيها نصيب في حضور (المتسلط) الصفة التي يطلقها التشكيليات على شقيقهن الرجل في مراحل سابقة.
monif@hotmail.com