نشأ وحيدا ً في بيت ثري يضمه مع والديه بالإضافة إلى الخدم والسائق،وتربى وكبر في أحضان الحب والحنان والدلال الزائد.. طلباته أوامر تتحقق في لمح البصر، وكانت حياته تسير على وتيرة واحدة سعادة ومرح وسرور دائم، ورحلات سنوية مضمونة، لم يعرف معنى الحرمان والحزن والألم أو الحاجة،أو ترقب الشيء وانتظاره.. مصروفه الأسبوعي لا يقل عن خمسة آلاف ريال يضيعه في الصرف على سهراته ورحلاته مع أصدقائه، وكثيراً ما كان يجلب الأذى والضرر لبعض رفاقه بسبب المال الزائد.. هو شاب مستهتر طائش متسلط، الأفلام المرعبة والدامية وحلقات المصارعة الحرة تسعده، وأفلام القتل والسرقة تستهويه لا يعرف كلمة لا، ولا مستحيل.
ذات يوم مر بمعرض للسيارات فأعجبته إحدى السيارات، وما إن عاد والده، إلى البيت حتى بادره قائلا.. أبي لقد شاهدت اليوم سيارة غاية في الروعة والجمال والفخامة وأريد واحدة مثلها ابتسم والده في حبور وقال: سأشتري لك أفخم سيارة، وهل أنا في تلك الساعة التي أراك فيها أصبحت رجلاً وتقود سيارة، وتابع إن كل ما أملك تحت أمرك ولك وحدك.
لم تسعه الدنيا من الفرح والسعادة.. قال: لوالده فرحاً نشواناً شكراً لك بل مليون شكر يا أعظم أب في الدنيا.. والده لم يفكر في صغر سنه! أو عدم حسن تصرفه! أو في المستقبل الذي ينتظره، كل ما كان يفكر فيه.. هو كيف يسعده فقط، لم تمض خمسة أيام حتى كان خالد يملك سيارة بمائة وخمسين الف ريال.. أحس بأنه يملك الدنيا بين يديه وراح يتجول في شوارع المدينة مزهواً بسيارته معتدا بمحبة والديه، مفتخراً بثروة أبيه الكبيرة.. ثلاثة شهور مضت احترقت بعدها السيارة إثر حادث أليم وفظيع حفظه الله منه ونجاه بفضل دعوات أمه التي لا تكف عن الدعاء لأبنائها طوال الليل والنهار، في إحدى رحلاته السنوية كان اختياره على أوروبا.. تعرف عل شابين في الطائرة التي تقله، وراحا يتحدثان معه.. في أمور شتى تطرقوا على حوادث السرقة والنهب في الخارج فقال: لقد تعرفت على مجموعة من االشباب أثناء رحلتي إلى بانكوك في العام الماضي فدعوني لسهرة وهناك أعطوني الماريجوانا، وحين فقدت وعيي سرقوا كل ما أملك.. قال: أحد الشابين، أنت غبي؟ فقال الآخر لماذا؟ قال باستغراب: لأنك لم تأخذ الهيروين، إنه أفضل من الماريجوانا وألذ بكثير.. مد الآخر يده بعلبة صغيرة وهو يقول: خذ شم هذا وسترى الفرق.. ودار الحديث معه عن اللذة والسعادة التي يشعرون بها عند تناول الهيروين! ثم طلبوا منه أن يشترك معهم في تهريب الهيرويين فهو سيكون وجهاً جديداً لن تعرفه الشرطة أو تشك فيه، سألهم بلهفة: وما الطريقة التي تتبعونها في التهريب؟؟
- عندما ننزل من الطائرة سنخبرك بكل شيء.
- عندما وصلت الطائرة المطار، وأنهوا أعمال الجوزات اتفقوا معه على اللقاء في اليوم التالي ليتم الاتفاق بينهم.. في اليوم التالي جاء الشبان إلى شقته، فخرج معه، ثم قالوا:
- تستطيع أن تعمل معنا..
- ما هي طريقتكم؟
قال أحدهما: إننا نقوم بعملية تضليل، ويتم ذلك حين نصل لدول جنوب شرق آسيا أو غيرها لإحضار المخدرات ثم نذهب إلى إحدى الدول القريبة، وهناك نضع المخدرات في مخابئ بإحدى الحقائب التي تصنع خصيصا ً لهذا الغرض وتقوم عليها عصابة دولية، ثم نعود مرة أخرى إلى البلد الذي سافرنا إليه، وهناك نقوم بتوزيع المخدرات بطريقة تجعلنا بعيدين عن أعين رجال الجمارك، والشرطة، فالبلاد الفقيرة لا تنتج المخدرات، وكوننا قادمين منها تبعد الشك عنا! هّال خالد كل ما سمعه، وجرت الدماء العربية والغيرة في قلبه وعقله، وساءه أن يدمر هؤلاء الشياطين الشبان العرب، ويحطمونهم بتدمير مستقبلهم وحياتهم، وحياة أسرهم، صاح بأعلى صوته قائلا: لا لن أشترك معكم في هذه المؤامرة القاتلة.. لا المال الذي يأتي من هذا الطريق.. مال حرام ومدمر، أنتم بلا ضمير،كيف تبيعون أنفسكم للشيطان من أجل حفنة من المال، ومتعة زائلة؟ كانت المفاجأة بالنسبة لهما كبيرة لم يحسبوا لها أي حساب.. مرت لحظات رهيبة غيروا فيها الحديث عن التهريب، وحاولوا إغراءه بجرعة هيروين.. لكنه رمى بها على الأرض، وراح يستنجد بالماره، اختفوا في غمضة عين من أمامه.. مضت ثلاثة شهور على ذلك.. كان خالد خلالها قد ابتعد عن الإدمان، ذات ليلة دعاه أحد الأصدقاء إلى حفلة ميلاد ابنه، وحين اعتذر أصر صديقه على حضوره قائلاً: سيكون الرجال في طابق، والأولاد والنساء في طابق آخر لا عليك ذهب إلى الحفلة، وهو جالس لاحظ مجموعة من المدعوين يجلسون في زاوية وحدهم وعندما اقترب منهم، رآهم يشمون أشياء غريبة.. وسرعان ما اقترب منه صديقه وقال له: خذ جرب هذه لتعيش سعيداً مثلهم.. لم يستطع أن يكرر رفضه تحت إصرار صديقه، وكأن قوة غريبة قد جعلته أسيراً لكلماته، ومن تلك الليلة تحول خالد إلى مدمن وذاق المر من تجرعه الهيروين تلك الليلة وسمومها القاتلة، وما هي إلا فترة قصيرة حتى اكتشف أن الشابين اللذين التقاهما في الطائرة كانا وراء إدمانه هو، وهؤلاء الشباب الذين شاهدهم تلك الليلة ثم لم يلبث أن سمع أن أحد هؤلاء المدمنين فقد عقله، وآخران تحولا إلى مروجين لأخطبوط الموت، وتم القبض عليهما، أما الرابع فر هارباً تاركاً بلده الذي ولد فيه وتربى على أرضه، خوفاً من العقاب فغدا شريداً مطاردا ًخائفاً. كان ذلك درساً كافياً لأن يجعل خالد يفكر في مصيره ومستقبله، ويسرع بدخول مستشفي الأمل ليُعالج، وينقذ البقية الباقية منه قبل السقوط في هاوية ساحقة.