الثقافية - محمد عطيف:
دوماً تعتقد إدارات الأندية الأدبية أن ما تتعرض من انتقادات تصل لحد الهجوم والغبن هي غير مبررة على الإطلاق، في ظل ما ترى أنها أنجزته وحققته. فيما يرى الكثير من المثقفين أنها لم تف بعد بنصف المطلوب منها على الأقل!
الحدث هو اللقاء الأخير الذي كان فيه مجلس أدبي جازان ضيفاً على الجلسة الأسبوعية لسمو أمير المنطقة تحت عنوان (النادي الأدبي بين الواقع والمأمول)، ترك أكثر من علامة استفهام على مستوى العلاقة بين إدارة النادي والمثقفين والمثقفات مما انعكس على طابع المداخلات الحادة التي ألقت بظلالها مع تفاوت النسب في توقعات الحضور وقراءة المشهد كما ينبغي، حيث تركز النقد على الأساليب الإدارية أو خروج مستغرب في نظر البعض على التعاليم الدينية والعادات والتقاليد الأصيلة. اللقاء بدأه رئيس مجلس إدارة النادي الأستاذ أحمد الحربي الذي تحدث في ورقته عن أنشطة النادي وأبرز ملامح ذلك ومنهجيته خلال الفترة الماضية وما تحقق من إنجازات، مشيراً إلى أن الطموح لم ولن يتوقف في التجديد والإبداع وتقديم الرسالة المنوطة بالنادي.
ثم تلاه نائبه الأستاذ محمد النعمي الذي تحدث عن الإعلام ومسيرته مع النادي طوال تلك الفترة محاولاً تتبع ورصد مدى التفاعل، حيث أشار إلى أنه تابع ذلك من خلال الإعلام المقروء من حيث كونه أحد أهم وسائل الإعلام التي تحظى بمتابعة كبيرة، وأشار إلى أن هناك عشر صحف محلية كانت تتابع أخبار النادي وفعالياته.
وأن معظم المتابعة هي أخبار سريعة وعاجلة فيما هناك تركيز على العناوين السلبية التي ترتكز على مواقف شخصية وعادية في مجملها مثل انتقاد غياب رئيس النادي عن نشاط ما بداعي السفر مثلاً...
ووجه النعمي في نهاية حديثه أكثر من رسالة للإعلام، مؤكّداً أن شريك رئيسي في النجاح، وأنه يأمل أن تشكل المرحلة المقبلة تعاوناً كبيراً ومثرياً معه، وأن يكون منصفاً بما يشكل الإيجابية المطلوبة للجميع وتحقيق الأهداف المطلوبة.
فيما كان الشاعر أيمن عبد الحق منصفاً للجانبين، حيث قرأ محوره بذكاء كبير مطالباً مجلس الإدارة بتجنب الوصاية على من يختاره.
المداخلات ضمت انتقاداً للشاعر أحمد السيد عطيف أكد فيها أن النادي يعمل خارج التنمية الثقافية التي يقودها سمو أمير المنطقة بما أن نشاطه غير ملموس ولا يركز على المستقبل.
فيما طالب الشاعر مهدي الحكمي أن يتاح المجال لتفاعل ثقافي نسائي حقيقي، وألا يسمى ما يحدث حالياً بذلك في ظل عدم وجود خصوصية للمرأة لأنشطة نسائية - نسائية حتى تتمكّن المبدعات كلهن من الحضور وليس كما عمل مؤخراً في أحد أنشطة النادي. وهو أمر سبق له انتقاده في الإعلام المقروء والإلكتروني.
لكن التعليق الأقسى كان من القاضي الشيخ عبد العزيز العميقان، حيث شجب ما حدث مؤخراً في الملتقى الشعري من السماح (لامرأة بتقبيل رأس رجل غير محرم عليها) وكذلك السماح لبعضهم ب(قول ما يمس الرسول الكريم والدين الحنيف).
كما ذكر النادي في حديثه بقوله: أذكر النادي بأننا مسلمون ولنا عاداتنا وتقاليدنا وأن على إدارة النادي التزام (الأدب)، ولا أعني به (الأدب) الشعر وما أشبه ولكن (الأدب الشرعي) مع الدين وليس كما حدث في الملتقى الشعري من اختلاط الرجال بالنساء...
سمو أمير المنطقة أكَّد أنه يملك دفة الحديث المتوازن والهادئ والذي يلأم الاختلافات بأسلوب جميل، حيث تمكّن من تقريب وجهات النظر، والتأكيد على الثوابت والسماح بالإبداع في ذات الوقت، مشدداً على أهمية أن يتم ذلك كله في إطار تعاليم الدين ومراعاة القيم والعادات والتقاليد الأصيلة، وأثنى على الجهود التي بذلت ومشجعاً لحرية الرأي والرأي الآخر وأن النقد هو بناء في المقام الأول، مشيداً بحديث أيمن عبد الحق وتجربة المركز الثقافي بالدرب.. داعياً الجميع للمساهمة في التنمية الثقافية جنباً إلى جنب، وتخطى الحواجز والعقبات.
تعليقاً على ذلك قال رئيس مجلس أدبي جازان الأستاذ أحمد الحربي للثقافية شخصياً اعتبر اللقاء كان فرصة للتواصل مع المثقفين وتقديم النادي بالشكل المناسب، وما قيل لم يخرج عن أقصى توقعاتنا، حيث الاختلاف البشري الطبيعي في التقييم وقراءة المشهد.
بالنسبة للشيخ العميقان فهو سمع ولم ير، وهذه إشكالية وقع فيها الكبير من المنتقدين لهذه الناحية، حتى إنني بعد انتهاء الجلسة جلسنا معاً ووضحت له فأبدى استغرابه من التشويه الذي نقل به الخبر إليه، وقلت له (كنا نتمنى أن تخاطب إدارة النادي على الأقل مثل بعض الجهات الأخرى كالهيئة وغيرها، حيث وصلتنا خطابات ورددنا عليها بما يزيل اللبس، وسوء الفهم.
أما كون النادي خارج التنمية فهو غير صحيح فكل الأنشطة للنادي كان محورها الإنسان الذي مجال التنمية وهدفها خصوصاً في الناحية الثقافية المهمة جداً، ونعتبر أن الملتقى الشعري كان أحد أهم روافد التنمية الثقافية في المنطقة في العام الحالي).
وعن كون الانتقادات الأخيرة هذه ستقفل بعض الملفات قال (لا أعتقد ذلك..).
بدوره قال نائب رئيس النادي الأستاذ محمد النعمي: (جلسة سمو الأمير كانت إيجابية للغاية بالنسبة لنا، فقد أتاحت الفرصة للتعريف بالأنشطة، واستقطاب التغذية الراجعة التي ستكون دافع التطوير المقبل، كما أن حديث سمو الأمير كان محفزاً ومشجعاً جداً وفيه دافع للإبداع ومشاركة المرأة وتطوير الذات، حيث أشار لخطورة الكبت وأنه يولد الانفجار.
ورداً على الانتقادات التي وجهت قال النعمي (مجلس إدارة النادي بشر يلحقهم الصواب والخطأ، والأخطاء التنظيمية واردة في أعتى وأرقى المؤسسات ولو راجعتم كلمة سموه الكريم لوجدتم أنه وضع الأطر المناسبة.
وأما حديث الأخ أحمد السيد عن النادي خارج التنمية فكل أنشطة النادي هي في صلب التنمية، حيث مجالها المثقف والمثقفة وهما الإنسان الذي يدير التنمية وهو هدفها، وأعتقد أنه كان يهدف إلى إثراء اللقاء وتحفيز الحراك نحو غد أفضل).
(الثقافية) استوضحت (السيد) عن مداخلته فقال (مداخلتي تركَّزت على أن النادي يعمل خارج التنمية الحقيقية للمنطقة التي يديرها باقتدار سمو أمير المنطقة، إذا اعتبرنا أن التنمية تعني العمل على الحاضر، ونلمحها مادياً في كل مكان في جيزان بشكل متسارع وهي بحاجة إلى عقل يواكبها ويديرها لينتج المستقبل وهذا العقل بحاجة إلى تنمية ثقافية النادي لديه منتدى ثقافي ميت، فشل فشلاً منكراً في ضخ ثقافة حقيقية.
ولديه منتديات للشعر والقصة، وهي ثقافة موضوعها الخيال وليس الواقع، والتنمية هي الواقع، ولديه منتدى تاريخي، يقدم ثقافة موضوعها الماضي وليس الحاضر، والتمنية هي الحاضر فالنادي يخدم الخيال عبر الشعر والقصة ويخدم الماضي عبر منتدى التاريخ لكنه لا يخدم الحاضر والواقع ولذلك فهو خارج التنمية. هذا هو ما يحدث فعلاً..
وأتمنى من النادي أن يوجد منتدى متخصصاً للتنمية الثقافية، يهتم بالحاضر ويهيئ العقول لإنتاج وإدارة المستقبل.
وقد استغربت من رد الأستاذ عمر طاهر زيلع حين قال إنه لا يجب إقحام الشباب في قضايا الفكر!!! كيف تنمية بلا فكر؟ كأنه يقول لا يجب تنوير عقولهم! ألم أقل إن النادي ميت دماغياً (بلا تفكير) وخارج التنمية؟! هناك الكثير مما يمكن عمله لتغيير عقلية النادي نفسه وإنعاشه من موته الدماغي ليشارك في تنمية ثقافية تواكب التنمية المادية.
فيما اعتبر عضو مجلس إدارة النادي الشاعر (حسن الصلهبي) اللقاء بسمو الأمير إيجابياً وفي غاية الأهمية لأنه من جهة وضع النقاط على الحروف ومن جهة أخرى حظينا بتوجيهات سموه الضافية التي تدل حرص سموه على مشاركة المرأة في المشهد الثقافي والإبداعي وأن على النادي أن يستمر في فتح المزيد من المراكز الثقافية التي أدت وتؤدي دوراً كبيراً في رعاية الشباب وإبعادهم عن الفكر الضال لأن الكبت يولد الانفجار وتنظيم الملتقيات الثقافية التي تبرز الوجه الثقافي الحقيقي للمنطقة.
وقال (الصلهبي): لقد سعدنا بتوجيه سموه لنا بالاستمرار في العمل الجاد لخدمة الثقافة والمنطقة والوطن.
وتعليقاً على المداخلة التي تقول بتجاوز أحد المشاركين في الملتقى الشعري الثالث قال الصلهبي إن اللغة تحمل أبعاد مختلفة في تأويلها ودعا الجميع إلى عدم تحميل الكلام ما لا يحتمل وإخراجه من سياقاته الأصلية مشدداً على أن سوء الظن بالمسلمين يؤدي إلى أخطار فادحة.
وأكد أن ما ورد في ذات المداخلة عن خلط بين الرجال والنساء أمر غير صحيح، بل كانت مشاركة المرأة وفق ما هو متعارف عليه في المملكة العربية السعودية ووفق الضوابط الشرعية وحاجز ساتر وكل من حضر الملتقى وعلى رأسهم سمو الأمير يعرف هذا.
وأما عن مداخلة (السيد) الذي ربط بين تنمية الواقع وفتح الطرق وبين التنمية الثقافية فنؤكد أن النادي يعمل ضمن منظومة متكاملة تغذي الفكر وتسعى للخروج بالثقافة من آفاقها الضيقة إلى آفاق أرحب.
هذه الجلسة الأسبوعية كانت محط اهتمام الكثير من المثقفين، حيث كان من المتوقع أن تتحول لشبه محاكمة لمنجزات المجلس الحالي، أو فرصة للمكاشفة حول الكثير من النقاط المثيرة للجدل مؤخراً.
لكنها وكما قال الحربي (لم ولن تقفل الكثير من ملفات النقد)، وستبقى وفق حرارة المشهد الثقافي الذي تحكمه المصداقية والمزاجية في (تناوبية) غريبة.