قد يكون للدكتورة لمياء باعشن وجهة نظر في تحريض المسؤولة الثقافية في اللجان النسائية في الأندية الأدبية على (ثقافة السلبية) باعتبار أن دخولها هذه التجربة هو اختيار شخصي من قبلها ولذلك فعليها أن تتحمل الاضطهاد والقمع من قبل رؤساء الأندية دون شكوى أو مقاومة، وكأن الدكتورة لمياء تريد تعميم المنطق (الحريمي) على الثقافة، المنطق الذي يلزم الزوجة أن تقبل ضرب زوجها واضطهاده دون مقاومة لأنها قبلت أن تتزوج، ويلزم الموظفة أن تقبل تمييز وزارتها واضطهادها لها دون مقاومة لأنها قبلت أن تتوظّف في هذا المجال، وهو منطق مع احترامي وتقديري للدكتورة لمياء (كارثة) ليس لأنه يشجع المثقفة على قبول القمع لعقاب ذاتها، بل ولأنه أيضا يدعم ثقافة التخويف من دخول أي تجربة غير (مسطّرة) وهو ما يعزز سلبية المثقفة من خوص أي تجربة جديدة، ولذلك أُحيي المثقفة التي قررت خوص هذه التجربة لأنها امتلكت شجاعة الاقتحام في حين عزفت أخريات عن خوض التجربة خوفاً منها أو لعدم امتلاك شجاعة التجريب، فالمثقفة التي رفضت خوض هذه التجربة ليست بأحكم أو أذكى أو أشجع أو أفضل من التي قبلت، بل أرى أن من قبلت تجريب التجربة هي أفضل ممن رفضت لأنها عبّرت عن شرعية طموحها ولو من خلال تجربة غير شرعية؛ ولذلك اعتبرت وجهة نظر الدكتورة لمياء كارثة لأنها أغفلت هذا الأمر وأموراً أخرى وقرأت التجربة من زاوية مظلمة.
ولو ناقشنا الأساس الذي بنت من خلاله الدكتورة لمياء تحريضها على ثقافة السلبية والتخويف، لوجدناه غير منطقي لأنه يعتمد على (تصفير) التجربة ونتائجها، والتجربة العشوائية أو الخاطئة تحمل قيمة ما في ذاتها، هذه القيمة هي التي تطور تجربة الإنسان أو هكذا أحسبه.
إننا بصدد تقويم تجربة وهذه التجربة كما أن علينا أن نسلط الضوء على سلبياتها لا بد أيضا من تحليل إيجابياتها، والرأي الذي يزعم أن هده التجربة لا تحمل أي إيجابية هو رأي لا يتصف بالموضوعية فلا بد من وجود قيمة لأي تجربة مهما بلغت من عشوائية أو أحاطتها الأخطاء.
صحيح أن لي موقفاً من عدم شرعية اللجان النسائية، ولي رأي في موقف المسؤولة الثقافية في تلك اللجان وما ترتب عليه من تشجيع عدم تلك الشرعية، إلا أنني لا أنكر أهمية هذه التجربة بالنسبة للمثقفة رغم سلبياتها، وقيمتها في هذه المرحلة أيضاً رغم سلبياتها وإكسابها المثقفة فوائد أيضا رغم سلبياتها، وإيجابية المثقفة في خوض التجربة رغم سلبياتها.
إضافة إلى أن التجربة المتكاملة ليست بالضرورة مقياس نجاح وإن مثّلت معيار جودة، في حين أن التجربة الناقصة هي مقياس النجاح لأنها تمثل مصدر خبرة لتطوير قدرة الفرد وتحسين موقفه وتجويد قراره.
هل أخطأت المثقفة عندما قررت دخول تجربة اللجان النسائية دون ضمان سقف حقوقي؟
الحقيقة أن إقرار الخطأ هنا أمر لا يمكن إثباته كبعد قبلي؛ فكل مثقفة قبلت دخول هذه التجربة لا شك أن لها مبرراتها وطموحاتها الثقافية المبنية على مشجعات وضمانات من قبل المسؤول الثقافي في النادي الأدبي اعتبرتها بمثابة ضمان سقف حقوقي معادل للرسمنة. وبالتالي فاختيار المثقفة لدخول هذه التجربة ارتبط بأمرين، أولهما إغراء التجربة لها، والثاني وجود معادل حقوقي للرسمنة.
لاشك أن اللجان النسائية هي تجربة مغرية لكل مثقفة لأنها البوابة الشرعيّة لممارسة المثقفة الإدارة الثقافية والمشاركة في صناعة القرار الثقافي، وتشكيل دائرة ضوء تضمن حضورها الثقافي وفاعليته، ووفق تلك الطموحات يمكننا تفسير تعلّق بعض المثقفات بالرموز كتنظيم دخول النساء والمداخلات والإمساك بالمكروفونات لأنها تشكل لهن إدارة ثقافية مجازية، ووفق فهمها أو تصورها لتلك المجازية ترسم رمزيتها الثقافية، وهما مجازية ورمزية لهما قيمتها كخلفية للطموح الثقافي.
إذن المثقفة دخلت هذه التجربة وفق هدف وغاية، بصرف النظر عن قيمة الهدف ومستوى الغاية وتوفير ضمانات تحقيقهما، فهو تفكير إيجابي وخطوة ثقافية تحسب لها، لا ضدها، إضافة إلى أن الخطأ والصواب ليسا معياري جودة بل تعلّم وخبرة، ولذلك أنا أثني على كل مثقفة خاضت هذه التجربة سواء استمرت أو انسحبت؛ لأنها ستمثل ريادة لهذه التجربة رغم كل سلبياتها وستصبح مصدر خبرة لها ومعين للباقيات، وأعتقد أن من الموضوعية أن يكون لها الأولوية في مرحلة التعديل فكما كانت شاهداً على مرحلة التجريب فيجب أن تكون أيضاً شاهداً على مرحلة التعيين.
أما الأمر الآخر أو كما أسميه مشكلة (معادل الرسمنة) الفخ الذي وقعت فيه المثقفة بحسن النية عندما وثقت بمصداقية تلك المشجعات والضمانات واعتبرتها سقفاً حقوقياً كفاية يقوم مقام الضمان القانون الرسمي لحفظ حقوقها وواجباتها، فهو ليس قرينة ضد إيجابية تفكير المثقفة وتسرعها في خوض التجربة لو حللناه ضمن المرحلة ذاتها، فمرحلة التعيين وما ترتب عليها هي تجربة جديدة أي أن ملامح تلك التجربة أثناء تكوين اللجان النسائية لم تكتمل ليس فقط للمثقفة بل وللمثقف، ومن الطبيعي عندما تقرر دخول تجربة غير مكتملة الملامح فأنت تضع في اعتباراتك أو تتصور الشكل النهائي للاكتمال وفق معطياتك المسبقة، أي مجموع الفرضيات المتوفرة التي تحولها وفق تصورك باعتبار ما سيكون إلى معادلات ضمان، واختلاف الكائن عن المتوقع ليست مسؤولية مفردة بل هي مسؤولية مشتركة تتوزعها أطراف عدة ومختلفة.
يعني أن المثقفة دخلت التجربة وهي تملك الوعي الكافي لما تريد أن تحققه وتوفير الضمانات الكافية وفق اعتبار (معادل الرسمنة)، بصرف النظر عن نوع ذلك الوعي، لأن القيمة هنا ليست في طبيعة النوع بل القيمة هي وجود أساس الوعي عند المثقفة بأنها تملك طموحاً ثقافياً وتريد أن تعبر عن ذلك الطموح.
وما حدث بعد ممارسة التجربة لا يقلل من قيمة هذه التجربة بالنسبة للمثقفة وهذا ما يجب أن تستوعبه المثقفات في اللجان النسائية، لكن القيمة المكتسبة من ممارسة التجربة تختلف عن قيمة الإضافة لعملية الاختيار، صحيح أن اللجان النسائية أثبتت فشلها فيما يتعلق بطموحات المسؤولة الثقافية، لكن هل هذا يعني أن المثقفة داخل اللجان النسائية قد فشلت؟ ورغم كل سلبيات هذه اللجان هل هذا يعني أن المثقفة داخلها عليها أن تبلع لسانها وتتحمل نتيجة قرارها؟ ورغم كل سلبيات اللجان النسائية هل هذا يعني انعدام الفائدة بالنسبة للمثقفة من ممارسة هذه التجربة؟.
على العكس فشلت اللجان النسائية ونجحت المثقفة في خوض هذه التجربة بكل شجاعة وجرأة وحضور، ورغم كل السلبيات فمن حق المثقفة داخل تلك اللجان أن ترفع صوتها وتوضح موقفها ومرئياتها من هذه التجربة حتى لو كانت في منتصف تلك التجربة، وإعلانها لموقفها ومرئياتها وتحليلها لسلبياتها لا ينتقص من طموحها الثقافي أو كرامتها الثقافية كما قد يصور لها البعض ذلك، بل هو تأريخ للتجربة في ذاتها ومرشد للمرحلة القادمة، كما أن اختيارها يلزمها بالاستمرار في ممارسة التجربة ليس من باب الخضوع لحيثيات ذلك الاختيار واقتضاء قبول القمع والسكوت عليه، بل من أجل الدفاع عن الأولويات الأساسية التي تم بموجبها قرار اختيارها وفرضها، فعليها (بدلاً من أن ترضى بأن تظل قدمها محشورة في الباب لتمنعه من الإغلاق، أن تدفعه بكل قوتها لفتحه وإسقاط من يقف خلفه).
كما أنني لا أؤيد قطع التجربة كما فعل البعض بل إكمال التجربة ولكن ليس وفق (المنطق الحريمي) القبول ضرورة يقتضيه قرار الاختيار؛ بل لأن إكمال التجربة ضرورة يقتضيها كمال مكتسبات الخبرة.
وعلى مستوى أخر أعتقد أن المثقفة داخل اللجان النسائية قد استفادت، وتقدير الاستفادة هاهنا ليست بالضرورة مرهونة بالمادي، هذا لا يعني أنني أهمش المكسب المادي وقيمته، وفي نفس الوقت لا أهمش المكسب المعنوي وقيمته فهو أيضاً يمثل فائدة علينا أن نراهن عليها وبخاصة في التجارب الأولى.
لقد مكنّت هذه التجربة المثقفة من الاحتكاك بمثقفين ومثقفات لولا اللجنة النسائية لم تتمكن المثقفة من ذلك وهو ما سيثري خبرتها وتجربتها الثقافية، كما مكنتها من الاقتراب من مصدر القرار وإن لم تشارك المصدر والناتج وهذا في ذاته يصقل خبرتها الإدارية، إضافة إلى ما منحته لها من هالة إعلامية لا ينكرها أحد، وأولوية في المناسبات والمؤتمرات الثقافية.
فلو تأملت المثقفة سواء داخل اللجان النسائية أو خارجها هذه التجربة بموضوعية لوجدت أن سلبيات هذه التجربة تتجاور مع إيجابياتها، وأن الإضافة حاصلة بمستوى ونوعية مخصوصتين.
والتفكير بهذه الموضوعية سيجعل المثقفة تقاوم ثقافة السلبية التي تهدف إلى فرض القبول بالقمع، وتقاوم ثقافة التخويف التي تهدف إلى ربط التجربة القادمة بسلبيات التجربة القائمة.
إن من حق المثقفة أن تُجرب وأن تُخطئ وأن تستفيد من أخطائها كما تستثمر مكتسباتها، في تطور تجربتها الثقافية.
* * *
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244
جدة