مالك الواسطي شاعر من جيل السبعينيات العراقي أصدر عام 1979 مجموعته الشعرية الأولى المعنونة (ثياب من ثلج)، ثم غادر مع من غادر العراق من أدبائه وفنانيه، وكانت وجهته إيطاليا حيث أكمل تحصيله العلمي ونال درجة الدكتوراه من جامعة نايولي واقترن بسيدة إيطالية وأقام هناك.
لكن مالك الواسطي لم يقطع علاقته بالوطن العربي لذا كان يستغل إجازاته في زيارات لأقطار هذا الوطن، وفي عام 1997م قام بزيارة لتونس حيث أقيم ومعه مخطوطة ديوانه (أقاليم البهجة والحزن) الذي صدر في العام نفسه عن دار سحر التونسية وبمقدمة من كاتب هذه السطور.
وللواسطي بعد أن ألمّ باللغة الإيطالية ترجمات للإيطالية وعنها، ومن ترجماته للعربية كتابان هما: الأسس الأثنوتاريخية لأدريليو ريكلوي - مطبوعات المركز الدولي للدراسات الأثنوتاريخية (ميلانو 2004)، قراءة في سطوح السماء - دراسات في الثقافة والعلوم الفلكية - منشورات المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت 2005م.
كما ترجم للإيطالية مختارات من أشعار بدر شاكر السيّاب (نابولي 1995) وعبدالوهاب البياتي (نابولي 2002). عدا تراجم أخرى.
جديد الشاعر مالك الواسطي ديوان بعنوان: (طيور تهاجر في الظل) الذي أهدى معظم قصائده إلى أصدقائه من الأدباء والشعراء العراقيين.
لكن الشاعر أرتأى أن يكتب تقديماً لديوانه هذا اختار له عنواناً دالاً هو (رؤيتي..) وهو تقديم مهم من وجهة نظرنا إذ تختزل فيه غايته وفهمه للشعر.
يقول: (لم تكن القصيدة لي حدثاً سياسياً أو تسجيلاً لواقعة يومية بل كانت ولا تزال رغبة تهدف إلى تحقيق متعة التكوين الجمالي التي تصب في تغيير رؤية المتلقي بقدر ما تهدف إلى أن تكون وجوداً جديداً يكشف عن جماليات حسية وعقلية لا يمكن رؤيتها دون الفعل الشعري الإبداعي). ويصف الجديد في الشعر بأنه (جديد في الزمن والتكوين الذي يتسم بغرابته ويبتعد عن المألوف فهو لا يتعدى أن يكون كشفاً استباقياً لما هو قائم أصلاً في مكونات التخيل الجماعي).
ويصف: (الغموض الذي يكتنف القصيدة الجديدة الحداثوية) بأنه (لا يمكننا إطلاقه اعتباطاً على كل ما يكتب اليوم لاسيما أن الغموض مهما كان تكوينه لابد له من أن يصبح مستساغاً وقابلاً للكشف ثم الفهم وإن تعددت مستويات فهم النص). وليس شاعرنا الوحيد بين الشعراء من كتب مقدمات مماثلة لديوان جديد له، فهذا ما فعله شعراء آخرون سواء من أصدروا بيانات شعرية (في العراق بيان مجلة شعر 1969 مثلاً) الذي وقعه عدد من شعراء الستينيات المعروفين، إضافة إلى مقدمات ومشروعات بيانات لاحقة، وهي مفيدة لقراء الشعراء وكأن الشاعر يرسم بها خارطة لقراءة أشعاره وما أراده فيها ومنها.
أما قصائد الديوان فهي تنتمي إلى شعر الحنين الذي ميّز الكتابة العراقية المهاجرة، نجدها حتى في القصة والرواية. وقصائد مالك الواسطي ليست استثناء بل هي في هذا العالم بدليل أن أغلبها مهدى لأصدقائه الذين غادرهم إلى إيطاليا ولكنهم ظلوا معه سواء من غادر منهم العراق أو من بقي فيه.
قصيدة (حدثني العارف قال) مهداة إلى حسب الشيخ جعفر، و(تداعيات السيد (ك) الجميلة) مهداة إلى كاظم جهاد، و(خطابات في العشق العراقي) مهداة إلى عقيل الخالدي، و(الوطن الشاعري) مهداة إلى صاحب الشاهر، كما أن القصيدة الأولى في الديوان (كاد العراق يضيق من ألم الفراق) مهداة لكاتب هذه السطور، وهكذا.
هذا مقطع من قصيدته (حدثني العارف قال):
(يتسامى في الحب، بعزلته
فتطارده الشهوة في الكلمات،
وتضيق اللهفة بين يديه،
يتدثر بالدنيا مغترباً
يتعرّى كالصوت العائم في الطرقات
يكشف أسرار المحبوب
جسد تنهكه اللوعة.
يجلس كالغربة في وطن مغلوبْ).
هذا الديوان يشكل إضافة واضحة لتجربة هذا الشاعر المتأني الذي لا ينشر إلا القليل القليل بدليل أنه منذ 29 سنة لم ينشر إلا ثلاثة دواوين فقط وغيره من أبناء جيله كدّسوا الدواوين.
يقع الديوان في 74 صفحة من القطع المتوسط، كما رأينا أن الشاعر بعد بغداد وتونس أصدر ديوانه هذه المرة من دمشق - منشورات التكوين (2007) ليؤكد انتماءه لهذه المساحة الجغرافية التي سنظل نعتز بانتمائنا لها المسماة الوطن العربي.
* * *
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7902» ثم أرسلها إلى الكود 82244
تونس