ماذا يفهم من حالة النفي التي يعيشها الدكتور نصر حامد أبو زيد وعلى أي شرطية جديدة سيتأسس تفكيرنا ؟ كجمهور قارئ يميل لمؤلفات الدكتور سيذهب لاوعينا إلى الخوف بينما وعينا إلى الانتصار له، أما عن بقية خصائص الجمهور فهنا دائما من سيمثلها، لقد أسبقت في مقدمة المبحث إلى أهمية تجديد الدكتور في أدوات الفكر التقليدية إما بالكشف عما تخفيه أو بتغيير وجهتها من عدم التزامه بالاتجاه كقاعدة، وكما أن اشتغاله لم يقتصر على المعروف من الأدوات بل باستخدام أخرى جديدة وقد يتضح هذا في الأعمال التي تناول فيها الموروث الإسلامي إما بالبحث المباشر في النصوص أو حل الارتباطات التاريخية التي صنفت بها بعض الفرق والطوائف من خلال تفكيكه أطر قيمت العمل الفكري لها ولعل المعتزلة المثال الأوضح، بل إن تصفح عناوين مؤلفات أبو زيد بعد الانتهاء من قراءة محتواها ستمنح عديد الدلالات على أن المؤلف يشتغل على العمل الأصل في المستوى الواعي منه كأساس بحثي ويترك لما ينكشف معه من أبعاد لاواعية عنها شكل النتيجة البديهية، نجد أن (نقد الخطاب الإسلامي) بفصوله الثلاثة الآلية، والتأويل والتلوين، وأنماط الدلالة تحمل جميعها هم الأداة أكثر منها منطقة التفكير، وبإشارة أوضح فان تحديد الحاكمية والنص كمنطلقات فكرية لا يحمل جديدا بقدر إجمال الآليات الخمسة للخطاب أو كشف التناقض بين آلتي الاحتماء بالحرفية بآيات العبودية والتوسيع الدلالي بكل ما يتعلق بالحكم، وإن كان كتاب إشكاليات القراءة وآليات التأويل يمكن إعداده منهجيا فكتابي (الاتجاه العقلي في التفسير، وفلسفة التأويل) عبارة عن دراسات في القضايا القرآنية سواء قضية المجاز عند المعتزلة أو تأويل القرآن عند ابن عربي وهما يتبعان مباحث الدكتور في الموروث الإسلامي، ولأن المجال بمختلف مواضيعه يعتبر مستوى واعيا بالنسبة للمنتسبين إليه من منتفعين وظيفيا ووجاهيا أو جمهور يكون إدراكهم الجديد به أسرع وأسهل مما هو غير واع، والإدراك بكونه عملية معرفية أولية لا يفسر الانفعال الذي يخلقه إلا موضوع المدرك، واشتغال الدكتور على موضوع كهذا ليس التفسير الوحيد لحالة الانفعالات التي يواجهها بل إن عملية اشتغاله على أدوات الموضوع باتجاهات مختلفة عن رؤوس الفكر التقليدي بما يملكون من الرصيد الانفعالي التراكمي عند الجمهور سببياً أوضح، فالاتجاه كقاعدة يساعد على التصور الطرفي للفكر مما يجعل الاختلاف مخالفة للصراط المستقيم بقياسه التاريخي، وهذا ما سيشكل التصنيف ببعده العدواني وأدائه البديهي، إن ما يعمل عليه الدكتور هو إقلاق العادات الفكرية بمختلف أدواتها، فهو قلق معرفي يؤسس للمراجعة بنفس الطريقة لكن من اتجاهات مختلفة فالبداهة والإطلاق والتعميم أدوات غير جديدة لكن أبو زيد كشف عن خطرها في حقيقة عملها بالموروث والأخطر هو الاستمرارية فيه، والإقلاق لم يكن بتغير الاتجاه وحده بل باستحضار أدوات أخرى وبالكشف كذلك عن أن من فعل الأدوات أن تحكم كثير من المنطلقات الفكرية والقيام بدورها في تهميش مناطق تفكير أخرى تحت تسلسات منطقية مغلقة لصيغ مثل الأهمية أو الأولوية التي تحصر العقل في زوايا دفاعية أو هجومية مما يجعل من الاتجاه والطرفية قواعد في مناطق التفكير لا في أدواته فقط، وقد تكون الأداة عملية واعية لكنها تأخذ آليتها اللاواعية مع الزمن بتحولها إلى عادة، كما أن الحكم بين مناطق التفكير وأدواته عملية تبادلية أيضا، بل لعل التبادل اللاواعي بين الاثنين هو ما يورث معرفة جامدة نسميها المسلمة، وربما اجتهد فأقول:إن الصراع الذي أقحم به جمهور الموروث مع الدكتور كان من أسبابه هذا الإشغال اللاعلمي للثوابت محل المسلمات، لأن الثابت له صفة المسلمة ولا يصح بهذا العكس، والتجديد بالعمليات الواعية يهدد العادة بمختلف جوانبها المعرفية والوجدانية والسلوكية، وعادات الجمهور بجوانبها الثلاثة هذه هي طبائع المجتمعات، وبثقل المفردتين معاني رئيسة في رسم الهوية أو الصورة الثقافية الشعبية، فمن ذلك الجهد الفكري المختلف بخلاصته المعرفية وأقصد بهذا أعمال الدكتور إلى هنا الأخير الذي وصلناه وهو الهوية الشعبية تأخذ المعادلة النتيجة وهي اختلاف الدكتور مع هوية الشعب ! فهل المعرفة الجديدة وليدة أحد أكاديمياتنا وجهد أحد مفكرينا تشكل تهديدا حقيقيا لهويتنا ؟ إن كان نعم فهويتنا ستبدو هي الخطر لا ما يهددها وإن كان لا فكيف انتهينا إلى هذه المعادلة ؟ كلا الأجوبة تحتاج للأسئلة فلنعد النظر.
Lamia.swm@gmail.com
كاتبة وباحثة سعودية - الرياض