Culture Magazine Thursday  28/05/2009 G Issue 285
فضاءات
الخميس 4 ,جمادى الآخر 1430   العدد  285
خلافات الأندية الأدبية: مرحلة ما قبل النظام
لمياء باعشن

 

كلما تعالت أصوات النساء في الأندية الأدبية الرجالية متشكية من التهميش والاقصاء، أومطالبة بالحضور والمشاركة الفعّالة يتبادر إلى الأذهان أن النساء بالإجمال (مشكلجيات) ومسببات للإزعاج، وأنهن يشكلن هماً ثقيلاً وأن طموحاتهن تشكل قلقاً كبيراً. هذا هو باب الريح الذي فتحته وزارة الثقافة والإعلام على نفسها وعلى رجالات أنديتها بتشكيل اللجان النسائية الرديفة، فحمّلتهم فوق طاقاتهم من الصداع والضغوط التي يشكلها الوجود الهامشي لهؤلاء النساء، ومن مطالبهن المتزايدة التي لا يملكون لها حلولاً.

لكن الحقيقة أن خلافات الأندية الأدبية ونزاعاتها التي تطفو على سطح الصحف اليومية لا تقتصر على مضايقات النساء فقط، بل إن السادة الأعضاء الذين اختارتهم الوزارة بعناية ودقة متناهية، واستثنت منهم النساء، هم أيضاً يختلفون ويتعاركون ويقدمون استقالاتهم تباعاً! فهل نصفهم أيضاً بالرجال (المشكلجيين)، أم نعتبرهم (عاجزين) عن الانخراط في العمل الجماعي، ونكتفي بإرجاع خلافاتهم إلى كونهم غير قادرين على الانسجام فيما بينهم؟

في اعتقادي أن السبب الرئيس في نشوء الخلافات بين المثقفين والمثقفات داخل أروقة الأندية الأدبية هو بكل وضوح الافتقار إلى خطة عمل مقننة، وهذا أمر لا خلاف عليه، إذ من المعلوم أن مجالس الإدارات شُكّلت في غياب لائحة تنظيمية لم تبدأ وزارة الثقافة التفكير فيها والعمل عليها إلا بعد تشكيل مجالس الإدارات وبتعاون من أعضاءها (الرجال) المعينين من قبلها. فليس من العدل أبداً توجيه أصابع الاتهام إلى العضوات وتململهن من شل الحركة والنبذ، ولا إلى أعضاء المجالس المستقيلين والمعترضين والنافرين والغائبين في حضورهم. غادر البعض مواقعهم بعد مرور وقت قصر أم طال على تعيينهم المبارك، هروباً من المركزية والتسلط، وبقي آخرون صامتون أو متنازعون، وذلك في ظل حضور طاغ لقليل من الصالحين الممسكين بزمام الأمور، ففي غياب القانون يصبح البقاء حتماً للأقوى.

جمّعت الوزارة نخباً مختارة من المثقفين الذي توخّت فيهم النشاط والقدرة على الإدارة بشكل إيجابي سيُثري الساحة الثقافية، لكنها لم تضع لهم أهدافاً واضحة يتوجهون نحوها، بل تركتهم في خضم الحدث الثقافي ليعوموا أو يغرقوا. كان المثال المقتدى به للأندية الجديدة هو الموجود أمامهم من أندية سابقة، فحذوا حذو السابقين وانتهى بهم الأمر إلى التكرار والدوران في حلقات مفرغة تعيد اختراع العجلة مراراً. لم تُنصّب الوزارة نفسها كمرجعية يُحتكم إليها أو يُنتظر منها أن تدير دفة الثقافة في الوطن، بل اكتفت بالتجميع والمراقبة من بعيد، وممارسة ديموقراطية غير مسبوقة حين قررت أن تتابع (الأنشطة التي تقوم بها الأندية والتي أتت من المثقفين أنفسهم ولم يكن للجهات الرسمية أي تدخل فيها). بل إن سعادة وكيل الوزارة الدكتور عبد العزيز السبيل يطالب (المثقفين أنفسهم بإعطاء الوزارة الرسالة، لا أن تعطي الوزارة المثقفين رسالة).

هل يعقل أن تقام أندية أدبية لأول مرة في معظم المناطق دون رؤية شمولية ومحددة تطالب الوزارة الأعضاء الذين عيّنتهم بتطبيقها؟ هل يجتمع كل عشرة في كل نادي ليضعوا لناديهم ومنطقتهم رؤيتهم الخاصة وهم لا يعرفون إن كانت جهودهم ستصب في جدول عملي لخطة عامة رسمتها الوزارة لمسيرة الثقافة في البلد الواحد؟ هل تريد الوزارة عمل تكاملي بين الأندية أم ترى أن تطبيق النموذج الواحد بشكل تكراري هو الأجدى؟ وهل تضع الوزارة نفسها موضع قمة أوليمب يستبق إلى استحسانها كل مثقف، أم أن الأندية والمثقفين والمثقفات كلهم عندها سواء لا تشكر المتميز ولا تشجع المتفوق؟ هل تكشف الوزارة عن المواقع التي تأمل أن تصلها مسيرة الثقافة أم أن أنديتها تتحرك بشكل عشوائي، ويا صابت ويا خابت؟

وكما تركت الوزارة أعضاء المجالس دون رؤية ومنهجية محددة، فهي أيضاً لم تزوّدهم بنظام يحتكمون إلى بنوده، بل إنها تشعر: (أن كل المثقفين في المنطقة يفترض أن يكونوا صانعي قرار من خلال مساهمتهم بالفكر والرأي وبما ينفعهم ويتم التنفيذ من خلال مجلس الإدارة). ولكن: هل يأخذ أعضاء المجالس بهذا التصريح المثالي؟ هل هو قابل للتطبيق على أرض الواقع؟ هل يمكن أن يُشرك مجلس الإدارة أحد من المثقفين، أو على الأقل عضوات اللجان النسائية، في عملية صنع القرار؟ من تجربة خاصة أستطيع أن أؤكد أن مسئولي الأندية يميلون إلى التخطيط المنفصل والمقصور على مجلس الإدارة لجميع الأنشطة، ثم مفاجأة اللامنتمين إلى النادي بجداول تم اعتمادها دون تدخل من أحد يفسد الترتيب الخاص لكل نادي، كما أن الأندية تبقى مغلقة في وجه ما دون تلك الأنشطة، فمهما تقدم اللامنتمون بفكرة أو مشروع فاقتراحاتهم تُجهض فوراً على اعتبار أن النادي (منبر رسمي) وليس مكان تجمع للمنتدين. كل صغيرة أو كبيرة يجب أن تُقدّم باقتراح مكتوب ومفصّل ليُعرض بشكل بيروقراطي قاتل على الأعضاء الموقرين الذين لا يحبذون أي تغيير أو طارئ على برنامجهم الذي وضعوه واعتمدوه من الجهات الرسمية. في نفس الوقت يردد أعضاء مجلس الإدراة أن لديهم توجيهات وخطوط حمراء وخطابات سرية وميزانيات محدودة تحد من توسع الأنشطة وقبول المقترحات الطارئة على البرامج الأساسية التي ارتضوها وحدهم في ظل الخوف والتماهي مع الأوضاع الراهنة والسير نحو الكمون والسكون.

هذا عن علاقة الخارج بالداخل، أما مجالس الإدارة فتعاني من عدم وجود توصيفات لوظائف الأعضاء بالتحديد، فالتنظيم الداخلي والوحيد لا يتعدى انتخاب داخلي لأربعة مواقع: الرئيس ونائبه والمدير المالي والمدير الإداري، أما بقية الأعضاء (فيسهمون معهم بالرأي والمشورة)! يعنى أربعة أعضاء عاملون، وستة أشخاص تحولت عضوياتهم إلى وظائف شرفية ضبابية غير واضحة المعالم، لا يعرفون صلاحياتهم ولا يلتزمون بواجبات. من هنا تنشأ سجالات أعضاء مجالس الإدارة مع بعضهم البعض، فكل يريد أن يدلي برأيه وينتصر له، ثم يغضب إذا لم يؤخذ به، خاصة إذا شعر أن تكتل الأصوات خاضع لميول ذلك الأقوى. أغلب الظن أن الأعضاء قبلوا التعيين دون دراية بطبيعة العمل الذي سيؤدونه، وربما اعتقدوا أنهم سيكونون قادة للفعل الثقافي الأدبي المتميز لا مجرد مديرين لفعالياته، لكنهم بعد الممارسة يجدون أن أدوارهم لا تتعدى الإصغاء والمناقشة في مجالس تنتهي بالتصويت موافقة أو معارضة حيثما تميل كفة الميزان، ثم الانصراف بعد الحصول على مكافأة الحضور. وفي حالة الرفض أو محاولة الخروج عن العرف البيروقراطي الخانق تنشأ المشكلات والصراعات وتنتهي بالتوترات والاستقالات.

إن شقاقات اللجان النسائية في أندية الرجال، مثلها مثل الانقسامات بين أعضاء مجالس إدارات الأندية الأدبية، ليست دليلاً على عدم النضج أو على الشللية أو على الانفرادية والفشل في العمل الجماعي، ولكنها دلالة صارخة على غياب التخطيط، وانعدام التنظيم لبرنامج ثقافي متكامل، وعلى سير العمل (اجتهاداً) بلا لوائح ولا أنظمة مقننة. معظم الأعضاء الذين انسحبوا واستقالوا، وحتى الذين صمتوا أو اجتهدوا، لا بد أنهم، مثل عضوات اللجان النسائية، وعلى الرغم من خطابات تعيينهم الرسمية، تساءلوا في منتصف الطريق عن معنى وجودهم داخل الأندية وعن طبيعة أدوارهم فيها، كلهم لابد أنهم وقفوا أمام أنفسهم في لحظة صدق ورددوا: أهذا كل شيء؟ نجتمع بين الحين والآخر، نناقش ونختلف ونتفق، ثم نصوّت ونقبض مكافآتنا؟ لا بد أنهم لم يتوقعوا أن تتقلص أدوارهم الثقافية إلى إدارة الجلسات واستقبال الضيوف، كلهم ما استطاعوا أن يجزموا، ونهاية تكليفاتهم تقترب، إن كانت الوزارة التي عينتهم راضية عن أدائهم أم لا، إن كانت حققت أهدافها من خلالهم أم لا.

يعرف أعضاء المجالس أن الأندية ستستمر في مسيرتها سواء حضروا أم غابوا، سواء بقوا أم استقالوا، سواء صمتوا أم اعترضوا، كلهم يفهمون ذلك من عنوان عريض لتصريح رسمي يقول: (انسحابات أعضاء الأندية الأدبية لا تمثل إشكالية لدينا). كلنا يعرف أن هنالك أعضاء لا دور لهم احتفظوا بعضوياتهم، حتى وهم خارج البلاد في مهمات دراسية وتعليمية ورسمية مختلفة، وأعضاء انسحبوا في صمت وبقيت مواقعهم خالية، وإن كانت تلك المواقع حيوية مثل: نائب رئيس النادي! يسير العمل في الأندية بمجالس غير مكتملة العدد، وبمجهودات لا تُقرّها ولا تنقضها لائحة، وبعلاقات لا نتظمها آليات ولا قوانين. (جميع الاقتباسات من عكاظ: العدد 15312، 29 يوليو 2008).

سيقول قائل إن الخلافات طبيعية بما أن الفترة الماضية كانت فترة انتقالية وتأسيسية، ولكني لا أرى كيف يمكنها أن تكون كذلك، فقد سارت الأندية كلها على نموذج سابق ولم تجرّب غيره ولم تأتي بجديد، فما هو الانتقال الذي حدث؟ كل ما جرى في السنوات الماضية هو عزف على نفس النغمة، ملتقى هنا وآخر هناك بنفس الصيغة القديمة وبنفس الأسماء، وأحياناً بنفس المواضيع، أمسيات ومحاضرات أيضاً تتكرر محتوياتها ومتحدثيها، مطبوعات لكل نادي لا يعرف عنها باقي الأندية، وميزانية ليست بالضخمة يشدها الجميع من كل طرف حتى تهن وتضعف ولا تأتي أكُلها.

إن كانت المرحلة الماضية تأسيسية فلماذا قامت على ما قد تم تأسيسه من قبل، وإن كانت انتقالية فلماذا لم تنتقل بعيداً عنه؟ في أفضل حالاتها هي مرحلة تكرارية، والأمل ما زال معقوداً على لائحة جديدة، توضح الأهداف والمسارات وتصف الوظائف وتحدد الواجبات وتبين الحقوق، لائحة تضبط العمل وتضع القوانين التي لا تترك إدارة الأندية للأمزجة والأهواء والاجتهادات الخاصة جداً، لائحة جديدة لا تتوقع من أعضاء المجالس والمثقفين خارجه أن يزودوا وزارة الثقافة برسالتها، بل تضع أمام أعينهم كلمات مختارة بعناية شديدة لا تحتمل التأويل تصف رسالتها وأهدافها والمتوقع ممن سيفوز بانتخاباتها.

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7712» ثم أرسلها إلى الكود 82244

جدة

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة