أستاذي وصديقي
وسيد الكلمة الذي هوى
الأديب الطيب الذكر عبدالله الجفري
غفر الله له ولنا
السلام عليك حيث أنت في دار البقاء تنعم بعملك بما وعد الله المتقين من عباده.
هذه أول رسالة أكتبها لك.. ولن تقرأها كما تعودت.. وغير مفكسة لتعلق عليها في ظلالك الوارفة التي افتقدنا ظلها في زمن الشوب وفصول آب الشتوية.
أو لتلقي عبارتك اللزمة المشفرة علينا تعليقاً.
(حياك الله).. مصحوبة ببسمتك الإنسانية المريحة للنفس والعين.
كنت عندما أصدم أو أتضايق من أفعال وتعامل بعض زملاء الحرف.. أنقل لك عتبي العشم وأجد عندك الراحة والأمان.. من خلال كلماتك المعطرة بالود والحب والإنسانية.
(سامح) كانت هذه التعويذة التي تقدمها لنا لنعلقها في قلوبنا.. حتى نروق المنقا.
سرعان ما تحول العتاب إلى تواصل ومناقشة لأمور أكثر أهمية في الحياة الثقافية والفنية في حياتنا الإنسانية.. ويتطور النقاش ليصل إلى مساحات من الكلام الموزون.. لا يمل المرء تصفحها على الهواء مباشرة.. ويتلاشى الزمن الذي يوحدنا.. وأنسى أصل المشكلة.. وأغرق معك في بحر المعرفة والحوار.
سيدنا.. هكذا كنا ومازلنا نناديك في البعيد أو القريب.. ستبقى سيدنا وتاج رؤوسنا سعدنا بالعيش في عصرك الجميل يا آخر الرومانسيين.. وتنفسنا معك هواء الحب الذي لا يعرف الحدود.
تصدق والا أحلف لك.. كما كان يرددد صوت الأرض الذي عشقنا صوته معاً (طلال مداح) في إحدى أغانيه الشهيرة من أيام الطائف المأنوس.. وطيب النفوس.
تصدق يا أبا وجدي..
الدنيا ما تسوى.. لم تعد نفس دنيا زمان التي تعرفها ونعرفها.. لم يعد الناس نفس الناس الذين نعرفهم ونأنس بهم.
تغير الطقس أصبح متقلب المزاج.. لا تفيد معه كل وسائل العصر.. تعددت أساليب الاتصال المرئية والمسموعة والمشاهدة.. أصبح الفضاء زاخراً بالقنوات الملونة ولكن المشاهدين لم يعد يغريهم كل ذلك.. تصدق أن بعض زملاء الماضي القريب.. بعد أن أصبحوا في غيابكم في المقدمة أصبحوا غير قادرين على الاستمرار في نفس المجال.. لأنهم لم يكونوا مؤهلين وجاهزين للمناصب والقيادة واتباع أساليب الكبار.
بل تجاوز بعضهم خطوط الطول والعرض.. والشرف ولم يعد يفرق بين الألوان والعادات والتقاليد ولا يعير لعلاقات الصداقة والتعارف الماضية اهتماما وعناية.
زاد الناس.. والمشاكل والهموم.. وتغير الطقس أصبح صعب التنبؤ والقراءة على الكراني وسواه من خبراء الطقس في هذا الزمان (؟!).
استطاع بعض لصوص العصر من بقايا الطفرة أن يصبحوا كتاب (بضم الكاف) يشار إليهم بالمال بعد استقدامهم لمن يقومون بهذه المهمة على أكمل وجه وراتب أتذكر -يا سيدنا- حدوتة الدكتور الجامعي الذي كان يعمل أيضاً كمسؤول في موقع اقتصادي.. وكانت فضيحته بجلاجل عندما صدرت كتاباته التي كان ينشرها دورياً في كتاب بعاصمة الضباب (لندن) بمسمى كاتب آخر من الأشقاء العرب وأزالت العجب جريدة العرب الخضراء بعد أن أوضحت السبب وبلسان المؤلف الجديد لأنه الأب الشرعي لكل أبناء وبنات أفكار كتابات الدكتور عندما كان يعمل تحت مسؤليته وكفالته.
وفي بلاد الفرنجة مارس حريته ونشرها ووزعها باسمه الصريح.. ولم نسمع من يومها للدكتور حس ونشاط واختفى.. وأن مازال بعض دكاترة المراسلة والفخرية يمارسون نفس الدور والهواية.. حتى ينكشف المستور وتنتهي صلاحيات وواجبات العرضالجية الجدد.
صدقني لا أقصد أن أزعلك.. في أول رسالة غير اعتيادية بيننا.. ولكني تعودت أن أبوح لك بما في الخاطر بلا رتوش وألوان.. فقد عودتنا الصراحة والصدق مع النفس.. لقد تغير الحال والزمان والمكان.. أصبح البعيد قريبا لا يحتاج إلى نجاة وأغانيها حتى بعد أن شبت عن الطوق.
لقد جعلت التقنية عصرنا أكثر حداثة وأكثر سهولة.. وأكثر تعباً ونكداً وفرحاً.. لقد تجمعت فيه كل الأضداد ليصبح حفظة جدول الضرب في كراريس.. المغربي أيام زمان أكثر سهولة وفسحة ببلاش لطلاب كتاتيب الشيخ سليمان.
كنا نسمع كبار القوم وأرباب الأدب في الزنقات.. يقولون بخجل العذارى في فمنا ماء.. وأصبح جيل اليوم يردد بكل جرأة وبرودة أعصاب في ثلاجة أبارية. في فمنا بيريه فرنسية!.
سيدنا الجفري (عبدالله):
هل بدأت أزعجك.. وأقلق منامك الهادئ بعد التعب والركض لسنوات طويلة في مضمار الصحاف والأدب امتدت لأكثر من نصف قرن.. لم تورثك سوى أمراض العصر وتنقلك إلى العالم الآخر بون استئذان مأسوفاً عليك من كل من ارتبط بعلاقة حب إنسانية مع حروفك.. على امتداد جغرافية العالم.
ولأنني أعرف معدنك.. وأصالتك.. وشفافيتك وصفاء قلبك الأخضر كحبر قلمك المضيء بالمعرفة والخير والعطاء.
فأني سأستمر أتلو الكلام.. فقد عودتنا الإصغاء ومعايشة همومنا الحياتية والوقوف مع كل من يقصدك من محبيك طاباً النصيحة والمشورة والتوجيه وتكرمنا كسيد بالوراثة بمباركة كل خطاوينا.
لا أدري لماذا تذكرتك فجأة لأنك.. لم تغب أصلاً من ذاكرة كل من عرفك عن قرب.
ظلالك اختفت ككل ظلال الحب الجميلة التي بدأت تتلاشى في زمن الأشجار البلاستيك والكروت البرستول والرسائل النصية.
لأن من كان يرويها بمداد قلمه وعقله اختفى عن هذه الدنيا الفانية.. ولكن بقيت ظلاله في الكتب والقلب.
أبا وجدي:
في عز الكلام.. سكت الكلام.. وللهرج بقية.
سلام هس!.
- ناشر ورئيس تحرير مجلة العقارية عضو هيئة الصحفيين السعوديين