في المجموعة القصصية الأولى (ميسون) للكاتب محمد عطيف رحلة شاقة نحو الإنسان، وسيرة سردية تقتدي بمفردة خطاب الأناء التي تفرز دائماً العديد من الصور الوجدانية المعبرة، وتتخلق منها جملة من الموقف المكتظة بالعناء.. تلك التي يبرع عطيف في استدراجها ومقاربتها مع لغة القص لتكوين هذه المشهدية الدائمة لحزن الناس حوله، إذ يمتاح من فداحة الألم اليومي هذه الجمل القصصية لتُكوِّن هذا القاموس القصصي الصغير.
يجزئ القاص محمد عطيف هذه المجموعة القصصية إلى ستة مذاهب، أو لواحات، طابعها العام القصر والتقشف، والرمز الموحي إلى دلالة واضحة يقرها البطل في كل قصة تنضوي تحت هذه اللوحات، ففي لوحة (الرحيل) على سبيل المثال تتواثب مشاهد ثلاثة هي: المجداف، وتحديق، والمحاولة. فصورة الكهل المتعب من كدر البحر ومشقة الحياة هو من يقيم طرف المعادلة الإنسانية بين (البحر والإنسان).. ذلك الذي امتاح منه القاص عطيف هذه الألوان السردية، فيما تواردت على لسان الحكاء في قصة تحديق ومضة الهم المعتاد في عالمنا، ليتوجها في مشهد مُحرِّك الدمى الذي أفنى شطراً من عمره في تمثيل دور اللاعب الماهر أم جمهور الأطفال ليكتشف مع الزمن أنه مجرد دمية أخرى إلا أنها من لحم وعظم.
يفرد محمد عطيف لأبطال قصصه عالماً من البوح الممكن، حيث يصوغ بمهارة ودربة حياة الشخوص، فيما يكون البطل دوماً هو المهزوم أو المأزوم في مناحي الحياة الكثير، فتارة تراه على نحو (ساري) في قصة رغبة وقدر، وأخرى تستشعر الأحاسيس بوجدانيات ليلى في قصة «حيث لا يراني أحد، فيما تنتهي حالة القص في كل مشهد سردي إلى عالم من الصراحة والصدق الذي يتوج نبرة خطاب الراوي.
الإيقاع السردي للقصص سريع، واللغة تتسم بالهدوء، فيما يتقن القاص عطيف رسم الأحداث لتأخذ شكل الممكن حتى وأن عراها شيء من الخيال الممكن.
ففي قصة (ميسون) التي حملت اسم المجموعة نطالع الكاتب وقد عني في تصميم هذه الأبعاد الثلاث السابقة، حيث تسارع الإيقاع السردي في القصة منذ البداية، لنرى البطل وقد أوجز العلاقة فيها على نحو مغاير لما قد تنتهي إليه العديد من القصص العاطفية إنما نشعر أن القاص عني كثير بتفعيل سرعة السرد حتى بات القصة على هيئة ومضة مفيدة، تخلص سريعاً إلى الحقيقية التي تمثلت في العلاقة المحسومة سلفا بين البطل والمرأة (ميسون) إلا أن ومضة الاستدراك على الحكاية المنتهية تفاصيلها تكمن في البوح الاسترجاعي لمآل الحكاية العاطفية التي أعاد التذكير فيها هذا المشهد المفاجئ وغير المتوقع في مقاعد الانتظار، إذ سيعبر الناس كل إلى طريقه لا يلوي على شيء من ما تسنى من قصص وحكايات ليظل جرح الكبرياء والعناد وعلاقة لم تتم فصولها هي من تخلد مشهد اللقاء المشوب بالعاطفة.
في قصة (الأمنية) التي ختم فيها محمد عطيف مجموعته يبرع في رسم مفارقة مؤثرة على لسان الفتاة الرواية لسيرة حياتها القصية، حينما استعادت وفي لحظة حلم جل صورها، وتحديد عوالمها الطفولية.. فهي التي تريده أو توده أن يكون نورانياً مبهجاً حتى وإن كان في حلم الموت الذي تجسد على هيئة شفيفة تناقض صورة الموت بفداحتها المألوفة.
قصص (ميسون) قراءة أولى للوجع الإنساني، وتأمل طويل للواقع الذي يرتسم على هيئة مشاهد متعددة يبرز فيها الإنسان المكافح الكادح، وقد أضنته الحياة، في وقت يضيف القاص محمد عطيف بعض المباهج على عوالم سرده، لندخل معاً من خلال أحزانه إلى جماليات لغة العاطفة.
* * *
إشارة:
ميسون (قصص)
محمد عطيف
دار الرونة جدة (ط1) 1430هـ 2009م
تقع المجموعة في نحو (106صفحات) من القطع الصغير
تصميم الغلاف للمؤلف.