إنها أفكار أدبية باهظة من حيث الواقع المعاش.. ومن حيث الإيمان بها.. فثمة ما يشي بالتصدي لها من قرب ومن بعد.. وبالتالي ستكون تلك الأفكار في مهب إعصار (غونو) وتغرق.
الأفكار المشروعة التي قدمها (نادي الشرقية الأدبي) منذ فترة عام أو تزيد ليس لجس النبض أو للادعاء أو لخلق جلبة، بقدر ما كانت حقاً افترضته الأعراف الأدبية لتقديم ما هو متلائم مع حداثة الأدب غير المؤطر بسيكولوجية العادات والتقاليد.
المشروعات التي سيتبناها النادي كثيرة ومختلفة عما تُقدم في أكثر من نادٍ أدبي، وتحتاج إلى دعم مادي من وزارة الثقافة، كما يُفترض أن يكون القطاع الخاص ممولاً جاداً لها.. فلا يمكن أن أنسى - إطلاقاً - ما قرأته عن نية النادي في تصميم وتنفيذ مبنى النادي الجديد، ولا يمكن أي متابع لأنشطة النادي ما كشفه - في وقت مضى - عن خطة عمل جديدة تستهدف كثيراً من تلك الأفكار المطروحة التي تتماشى - بالطبع - مع إستراتيجية الخطاب الثقافي الموجه للجيل المثقف الرائد والجيل الواعد. والتي من بينها تأسيس مركز للترجمة كنقلة نوعية بحد ذاتها تنقل إبداعات الأدباء إلى أكثر من لغة، وتحتل أكثر من هامش. ولا يمكن بأية حالة أن أتجاهل ما أعلنه النادي عن مهرجان الشعر ومهرجان السرد اللذين يحتاجان إلى بذل الكلمة والمشهد معاً،
وتأتي مشكلة طباعة الكتب كمشكلة قائمة بين الأندية، لكن هذا النادي اعتبر أن تشكيل هيئة إدارية وفنية للطباعة والنشر كما أعلن عنها سابقاً من شأنها أن ترسم ديباجة حقيقية لمعظم الأدباء والمؤلفين، وتسهل عليهم ظهور إبداعاتهم للأفق العام.
أما فيما يخص (دارين) الملف الدوري لثقافة النادي فهي الآن تقف على حافة إبداع كبير بعدما خُصص لها لجنة تحريرية همها الأول الإشراف على تحرير المجلة، ومحاولة خروجها من نطاقها الضيق القديم إلى نطاق أدبي جمالي ذي مساحة شاسعة.
وكما تبنى النادي تأسيس جماعة للسرد وجماعة للشعر وهما الآن الأبرز على مستوى النادي وإن كنت أرى أن هاتين الجماعتين تحتاجان إلى التلوين والتشكيل ليس على مستوى ترتيب كراسي الصالة أو تقديم الشاي والبيتي فور، وإنما على مستوى الأفكار المطروحة الشاملة لأمسية ناجحة لا تكون عبئاً على الحضور بقدر ما تكون تنويراً لهم لطرق أبواب جديدة في الحداثة الأدبية التقنية كأن تُعرض قصيدة نثر ل(أدونيس) أو دراسة عن ديوان (لا تعتذر عمّا فعلت) ل(محمود درويش) أو تُطرق روايات حيدر حيدر أو روايات محمد شكري، وذلك لثقتي التامة بأن القائمين على الجماعتين يملكون إمكانات من شأنها أن تغير الطريقة التي يتم عرض السرد والشعر فيهما بما يتوافق مع أحلام الأدباء الجادين، وبما يتناسب حول زعم الانفتاح الكبير الذي تتوجه له الثقافة في الأندية ومعارض الكتاب.
جميل أن أرى تلك الأفكار تتحقق يوماً بعد يوم، تماماً كما تحققت على يد (جماعة فيلم) وبساطة الثقافة السينمائية التي تقدمها على الرغم من تلك الكائنات التي تحاول أن ترشقها بزبد الكلام الفائض محاولة إقصائها ورميها في سلة منعزلة عن العالم.
النادي بحوزته أفكار كثيرة تخرجه من نمط التقليدية السابق إلى نمط تجديدي يواكب تقنيات زمننا, وجميعنا يتذكر تلك الفترة الزمنية التي تربو على ربع قرن عاش فيها النادي سياسة التهميش والشللية المتقنتين على أدباء لايزالون يثرون الساحة الثقافية بالإبداع حيث كان آنذاك مجرد نادٍ يشتغل على تقديم الوجبة الغذائية الدسمة دون تقديم وجبة أدبية متجددة.
وبما أن النادي قدم للجمهور تلك الأفكار وغيرها على طبق من أدب وفن جديدين فما عليه الآن سوى أن يتبناها - أعلم أن المادة تقف حائلاً دون العبث بها - لكن لا يمكن أن تُلقى مثل تلك الأفكار الذكية جُزافاً ويُترك القدر بأن يترجمها إلى واقع مقبول.
الأفكار باهظة بالنسبة لنادٍ أدبي يسعى لترسيخ مفهوم الحداثة الأدبية والتقنية في القرن الجديد, ويسعى لامتلاك السيادة الأدبية على هرم الأندية الأخرى، وحتى يضمن النادي ولادة تلك المفاهيم فإنها تحتاج لمتابعة مباشرة بين فترة وأخرى لتخرج من رحمها الضيق إلى مكان جميل وخصب تستطيع التعايش معه دونما إصابتها بندوب قاهرة.
طاهر أحمد الزارعي- قاص سعودي
Tzarai15@hotmail.com