قراءة - سعيد الدحية الزهراني
كان الزميل إبراهيم بن عبدالرحمن التركي .. قد أنهى متطلّبات الحصول على درجة الدكتوراه بعد أن درس المواد منتظماً في جامعة سانت لويس ميزوري الحكومية وأكمل متطلبات البحث في جامعة كولمبس (ميسيبي)الأمريكيتين، من خلال أطروحته التي جاءت بعنوان - دور العولمة في التحوُّل التربوي .. دراسة وصفية - تحليلية (التعليم الأهلي في السعودية نموذجاً). حيث نالها قبل أن يتقلّدها - على حدِّ وصف الدكتور عبدالله الغذامي، وقد فكر بطباعتها في كتاب مجتزأ من الأطروحة يكون في متناول القارئ العادي، وكان من الضروري أن يختزلها مستبعداً الأجزاء المتعلقة بالجوانب البحثية الإجرائية الصرفة .. فجاء الكتاب في نحو 167 صفحة من القطع المتوسط بتقديم الأستاذ الدكتور - عبدالله الغذامي .. مقسوماً إلى فصلين رئيسين يندرج تحت كلّ منهما عدد من العناوين والمباحث .. الفصل الأول بعنوان إشكالية المصطلح وأسئلة المعرفة، والفصل الثاني بعنوان - الدراسات التحليلية.
المقدمة
تقديم الكتاب جاء بقلم الدكتور الغذامي الذي قدم له التركي الشكر الخاص، على قراءته للكتاب ومناقشته له بالتفصيل، وبالتالي كتابة مقدمته .. وهنا يجدر بنا أن نضع تحت أنظاركم مقدمة الدكتور الغذامي كما جاءت ...
تقديم
هذا كتاب كان في أصله أطروحة دكتوراه، ولقد أحسن الدكتور إبراهيم عبدالرحمن التركي صُنعاً حيث أعاد صياغة النص ليجعله كتاباً ذا طابع ثقافي عام. ولا شك أنّ الصيغة الأكاديمية للرسائل العلمية لها أصولها وتقاليدها التي تحتكم إلى المنهج وشروط الأداء العلمي الأكاديمي، غير أنّ خطاب الأكاديميات العلمية شيء وخطاب التداول الثقافي العام شيء آخر، وهذا ما يجعل البحوث التخصصية صعبة الانتشار والقبول بين عامة القراء، ومن مصلحة المعرفة العلمية التي تطمح للنفاذ إلى القاعدة العريضة في الاستقبال، من مصلحتها أن تحيد من سطوة اللغة والمنهج الأكاديميين وتقدم المعرفة في خطاب يراعي شروط الاتصال الجماهيري دون أن يفرط بشروط العلمية وحقوق المستوى المعرفي، وهذه عادة معادلة صعبة، وهنا أقول إنّ هذا النص قد تمثّل في كتاب يجمع بين الشرط العلمي كحصانة معرفية، وبين شروط المقروئية والتوصيل القرائي دون عوائق. وحينما قدم لي الدكتور إبراهيم كتابه هذا كنت في غاية حرجة من المشاغل والارتباطات وخشيت على نفسي ووقتي من جهة وعلى الكتاب من جهة أخرى، فأنا بحاجة لوقتي ونفسي وسط هذه المشاغل، كما أنّ للكتاب عليّ حقاً بألاّ تفسد مشاغلي من تقديري له، ووسط هذا الهاجس بدأت في تقليب الكتاب، وما هي سوى بضع صفحات حتى وجدت نفسي أنساق بتلقائية نفسية مرنة وراء باقي الصفحات، ولم أشعر بمزاحمة من لغته ولا بثقل من موضوعه، وهنا ينجح الكتاب في تحقيق الجدية العلمية المعرفية وفي الوقت ذاته في تحقيق درجة عالية من المقروئية أو لنقل (الانقرائية)، وهذه مهارة اكتسبها الدكتور إبراهيم من ثقافته التراثية التي تربى عليها في المعهد وفي البيت، حيث إنّ والده الأستاذ عبدالرحمن التركي من الجيل التربوي المؤسس والذي تشهد له قاعات المعاهد العلمية ومجالس العلم في عنيزة مع شيخنا وعالمنا المرحوم علي الزامل وهو الحجة النحوي والفقهي والعروضي والمعلم الجليل، ومثله الأستاذ عبدالرحمن الذي ما زالت صورته عندي مربوطة بصورة الشيخ علي الزامل مع صدى أحاديث العلم ومجالس التحرير العلمي حول تصريف كلمة أو إعراب جملة عويصة وحل خلاف نحوي أو عروضي، ذلك جو كنت أراه في مجلس وسط السوق التجاري في عنيزة، حيث كان للشيخ علي دكان ليس للبيع والشراء، ولكن للجلوس واستقبال الناس ومناقشة العلوم، وفي ذلك الدكان كنت أرى الفتى إبراهيم في صحبة أبيه يسمع ويختزن في نفسه ما يسمع حتى إذا ما كبر الفتى صار له في الصحافة دكانه الخاص، وكأنه يعيد لنا دكان الشيخ علي ولكن بصيغة مقالات يدبجها قلمه وترى من بين سطورها، مثلما تسمع، أنفاس الأب والشيخ وبطون التراث، مصحوبة بلغة العصر ووسيلته الحديثة، عبر هذا الدكان الحديث الذي صار اسمه جريدة، وفي هذا الجو انكتب اسم أبي يزن وارتسمت علامته، وكم أحسست أنّ الأمر ليس مفاجأة حينما علمت بمناقشة أبي يزن للدكتوراه وحصوله عليها، فأنا كنت أراه قد نالها قبل أن يتقلّدها، لقد نالها بتعبه وبصدق تمثله لثقافة التراث أولاً ثم لثقافة العصر ثانياً، وفوق ذلك فقد نال شرف الوسام العلمي بسلوكه المعرفي وأدب العلم وخلق الثقافة، فهو حريص إذا ما كان أمر علمي، وهو جاد إذا ما كان أمر ثقافي، وهو لطيف إذا ما تواصل وكتب، وهنا جمع الشروط وجاءت أعماله السابقة على هذا الكتاب بوصفها حصيلة لقلم معطاء وصادق، ثم جاءت الشهادة وجاء الكتاب، وفيه خلاصة لرجل مجرب، هو مسؤول تربوي وكاتب ملتزم بقضايا الثقافة وحالها العميقة والحساسة. وأسس كتابه على استطلاع علمي يفحص السيرورة العلمية التربوية ويعالج مشكل العولمة وأسئلة التربية في استخلاصات إجرائية ميدانية من بعد تقديم نظري وثقافي للإشكال، هذا كتاب من كتب المرحلة وهو سؤال في المثاقفة وفي التربية المزدوجة، ونحن نعيش ثقافياً في مرحلة الازدواج المضاعف الذي لا يستقبل كل شيء، فحسب، بل إنه يعيش وسط كل شيء، وحينما أقول يعيش فأنا أقصد أنّ العالم اليوم، كل العالم، قد صار داخل علبة أكسجين واحدة، ولا خيار للكل سوى أن يستنشقوا ما في هذه العلبة بكل ما فيها من أكسجين نافع مع ما فيها من سموم مصاحبة، وهنا يجب أن نسأل وأن نناقش وأن نفكر، وهذه مهمة يفعلها هذا الكتاب، وسيرى قارئ الصفحات التالية شواهد على ما أقول، وهي شواهد تؤكد من جهة وتسأل من جهة أخرى وتضعك في واقع الصورة من جهة ثالثة، وهو - إذن - نوع من الكتب والقضايا التي تطرح نفسها قبل أن نطرحها، وتكتب نفسها قبل أن نكتبها، ولكننا حينما نكتبها بعد أن كتبت نفسها فإننا إنما نكسر صندوق الساحر ونسمي العلّة باسمها ونضعها في جملة ثقافية ترفع سلطوية السر وتجعل الخوف حصة في التفكير وليس رهبة حضارية أو عقدة أيديولوجية، هو هذا الكتاب يحمل السؤال ويجعل العولمة رديفاً للتربية، وهما معاً معضلان وشائكان والخوض فيهما بالأسئلة والأرقام هو مواجهة علمية عصرية كما فعل هذا الكتاب، وهي مهمة ملحة كما يجب أن يفعل القارئ مع هذا الكتاب.
الرياض - 21-3-2007م
المدخل
لعل أبرز ما تجدر الإشارة إليه من مقتطفات في مدخل الكتاب يتلخّص في وقفتين أشار إليهما الباحث:
- الأولى: (وإذ لكل مجتمع خاصيته فإنّ ما هو مطروح للمساءلة مختلف تبعاً لمساحة الحركة التي يستطيع الثقافويُّ الانطلاق فيها، نائيا ً- في البيئات الإسلامية - عن تخطي المُسَلَّمات التي تحددها نصوص قطعية الثبوت والدلالة، ولا شأن له بعد ذلك بسلطات العادة، وتحكم التقاليد، كما أن في استعادة التاريخ القريب ما يشير إلى آفاق الآتي؛ إذا استطعنا الخروج من نفق الخوف من التحوُّلات القادمة برغبتنا وبضدها، وإذا اتفقنا على تحديد الثوابت في إطارها المرجعي الشرعي المجمع عليه بين علماء الأمة في كل أزمنتهم وسائر أمكنتهم، وهنا لغة عقل لا تسلمُ دلالاتها لمناصري الركود رغم المتغيرات، وليظلّ المطلوب - حولها وغيرها - حواراً يلتزم بأدب المناظرة، ويُحمى فيه الجميع دون رهبة أو استعداء أو استعلاء فلا أحد يحتكر الحقيقة).
- أما الوقفة الثانية فهي: (في المجمل فإنّ العولمة نموذج على تيه المصطلح الذي أُوقعت فيه مصطلحات أخرى ومنها: الحداثة والعلمانية والتعددية والحوار والديموقراطية والشفافية وغيرها؛ فقد تحوّلت إلى كلمات هائمة يفسرها كلٌّ حسب أدلجته أو مصلحته أو خططه المعلنة والمختفية، كما أنّ للنظريات - حسب فرنسيس بيكون - دوراً في جعل الرؤية متميِّزة، وعلى الباحثين - في اقتناعه - تصفية عقولهم من النظريات وتخليصها من التحيُّز كذلك، ما يعني أن الثقافة - بوصفها المظلّة الشمولية - لا تستطيع التواؤم مع معطيات الواقع أو الصعود إلى استشرافاته إلاّ في جوّ انفتاحي يستفيد من إيجابيات العولمة ويتلافى سلبياتها.
ولعلّ أهم توصية يمكن تأطيرها في هذا الكتاب هو إعطاء الإصلاحيين - على مختلف وجهاتهم - مساحة أكبر للانطلاق في فضاءات يجيدون التحليق فيها، وتقليص الركون إلى محاكمة مصطلحات عائمة تُضيِّق الواسع وينكفئ بها الممتد، مع التأكيد على قصر الثوابت في مدارات لم تعرف فيها اختلافات أو اجتهادات، ولعل طرق مثل هذا الموضوع الحيوي الشائك مقدمة لامتدادات وإضافات تسعى لتعديل الواقع التربوي الساكن).
المحتويات
الأطروحة جاءت في خمسة فصول، بينما جاء الكتاب في فصلين رئيسين (إشكالية المصطلح وأسئلة المعرفة - الدراسات التحليلية) .. يتفرعان إلى عدد من العناوين الأخرى .. وهنا سنكتفي بذكر فصول الكتاب وعناوينه.
الفصل الأول:
إشكالية المصطلح وأسئلة المعرفة:-
(إشكالية المصطلح - المصطلحات: وجهات واختلافات - نظريات الاتصال - وسائط تقنية المعلومات - الحاسوب في التعليم - الإنترنت في التعليم - البريد الإلكتروني - العوامل التي تقف أمام استخدام الإنترنت - البيئة التعليمية - التقويم والامتحانات في مدرسة المستقبل - العولمة والتغيير - الآثار المتوقعة - المعلم المنافس - آثار سوق العمل - الآثار الاقتصادية - العولمة والتحوُّل التربوي - التقنية والتحوُّل - أركان مجتمع المعرفة - التحوُّل التربوي في مجتمع المعلوماتية - التعليم وثورة المعلومات - المعرفة والسلطة - الفكر التربوي المتحوّل - دراسات واتجاهات - العولمة والتغيُّر التربوي - أسئلة المعرفة - العولمة والتعليم - خلاصة - رؤية مقارنة).
الفصل الثاني:
الدراسات التحليلية:
(أسئلة البحث - أهمية ومنهجية البحث -
حدود البحث - مصطلحات البحث: المعرفة في عصر العولمة - تصميم الأداة - صدق الاستبانة - الثبات - المعالجات الإحصائية - خصائص العينة - نتائج الدراسة - العولمة والتحوُّل التربوي - خلاصة).
التوصيات
هذا وقد ضمّت الأطروحة ذاتها، وليس الكتاب، عدداً من التوصيات التي لم يوردها التركي في الكتاب ربما لأسباب رقابية.