على طاولة صغيرة مستديرة تتسع لفنجان قهوته، وكوب عصير البرتقال الذي تفضله، وكوب ماء بارد، وحقيبتها اليدوية، تتوسطها فازة صغيرة تحتضن وردة حمراء وحيدة، يجلسان يتبادلان أحاديث ذات شجون مختلفة، تقترب من قلبيهما تارة، وتوغل في همومهما اليومية أخرى، ترجع خطواتٍ نحو الماضي، ثم تقفز بهما نحو المستقبل، تمتد يده نحو يدها فيلذ له ملمسها الناعم، ينظر إلى عينيها ويقرأ فيهما ما يروقه من القول، يشدُّ الحياءُ يدها حتى تلتصق بجسدها، فتقع يده على الطاولة، يحركها جهةَ فنجان القهوة، يرتشف القهوة، بينما ترتشف عيناه تفاصيلها..
يختلسان أوقات تسنح بها ظروفهما بين الحين والحين، أصبح مكانهما معروفاً للنادل، يهيئه كلما دلف أحدهما المكان، يقدم لهما الطلب المعروف دون أن يطلبا، ارتبط حديثهما وآمالهما وآلامهما بالمكان، حديثٌ هامس، ضحكاتٌ تنبو بين تضاعيف الكلام الهامس، نظراتٌ ترصد المكان هل من مسترقٍ للسمع، أسند رأسه على راحة يده يستمع لحديثها الرقيق، لم يستطع اتقاء كفها وهي تهوي على خده بلا مقدمات، اعتدل في جلسته، وضع كفَّه موضع الصفعة، غادرت المكان، لحسن الحظ كان المكانُ فارغاً إلا منهما، حتى النادل كان مشغولاً عنهما أو هكذا تظاهر، كيف أصبحت اليد البضةُ سوطَ عذابٍ يلهبُ خدّهُ، مضت سنوات لم يرها إلا في أحلامه، كلما مرَّ به طيفُها وجد يده تتحرك جهةَ خده، كلما حدثته أنثى، وضع يده على خدِّهِ، وعيناه ترقبان كفها.