غابوا عنِّي، وبقيتُ وحيداً، أقرأ بقايا غبارهم في ذاكرة الشوارع، وشوارع الذاكرة. حملت ما تناثر من فتات صورهم، وهربت إلى فيء روحي، يظلني دمع أهوج، متربع على وجهي، وحسرة مريرة، تعبرني كالسهم، تلون خارطة حزني وألمي.
تقاذفتني أمواج تعبي في بحر الغربة المتلاطم، لتقذفني أخيراً إلى شاطئ مهجور لأجد نفسي ملقى على رمل وحدتي، عابثاً بالطين، أرسم تارة عليه وجهي، وتارة أمحو، وتارة أخرى يلاحقني الموج، فيغرقُ كل الرمل.
هل سأنزعُ ولو متأخراً جداً فتيل انشطار الحزن الصاخب، والوجع الذائب في دمي ويعلو وجهي خارجاً من قمقم غياباته، وأظفرُ بلحظةٍ متقدمةٍ ومتمردةٍ على هاجس هذا الموت البارد؟.
هل سألاحق يوماً وجوه الذين قد غابوا، داعياً بقايا صورهم، إلى احتفالات الذاكرة قبل فنائها المرتقب كل حين؟.
هل سيقدِّرُ أولئك الغائبون حينها نحيب تهالكي، وجنون بوحي، ولوثة الحلم الرابض في أوردتي، وهاجس التعب المثقل بالأنين؟.