الثقافية - عبد المحسن الحقيل:
مبدعون يدفعهم الأمل وتحفهم الثقة، يحاولون السير بخطى ثابتة، فكروا قبل اتخاذ القرار، ثم أقدموا على خطوة جريئة وأصدروا إصدارهم الأول.. أحدهم رفع لواء الفلسفة وثانية سبحت في بحور الشعر واثنان رسما صورا من خلال مجموعة قصصية.. ترى أي شيء دفعهم؟ وأي أمل استدعاهم؟ وما أبرز المحبطات في طريقهم وهل واجهتهم مفاجآت علي طريق الحلم، وما أجمل اللحظات التي عاشوها؟
نصحب اليوم الأستاذ حمد الراشد مع إصداره الأول (رينيه ديكارت) وفوزية الشدادي الحربي ومجموعتها القصصية (ليتني ما تلوثت بك) ومشعل العبدلي ومجموعته القصصية (رسام الحي) وأحلام منصور الحميّد القحطاني وديوانها (أنا من خيال).. نصحبهم لنعرف أسرار تلك اللحظات الصغيرة التي مروا بها، وخفايا هذه الخطوة، لنعيش بهم ومعهم لحظات لا تتكرر أبداً؛ فهي لحظات لا تصحب سوى الإصدار الأول:
عوامل
- قبل البدء: ما هي العوامل التي حرضتك على الإقدام على نشر إصدارك؟
حمد الراشد:
أهم العوامل التي دفعتني لنشر كتابي الأول تنقسم إلى: عوامل ذاتية، وعوامل إعلامية، وعوامل اجتماعية.
أما الدافع الذاتي فهو يتركز حول تحقيق الذات أولا، ومن ثم القناعة بما كتبته حول ما يعنيه مفكر مثل ديكارت من تأثير ودور ومكانة في فترة ثرية بالعلم والفكر في أوروبا خلال القرن السابع عشر الميلادي.
وأما السبب الإعلامي فهو يتركز حول التواصل مع الساحة الإعلامية، وأيضا الخروج من إشكاليات الكتابة في فترات متباعدة بالصحف والمجلات إلى مجال التأليف والنشر، ومن ثم أتمكن من تقييم هذه التجربة الأولى من حيث التسويق والانتشار الإعلامي.
وأما العامل الاجتماعي فهو يتعلق بدور الثقافة عموما وما يؤديه الفكر بصفة خاصة من إسهام في رقي المجتمع وتقدمه، وخلق بيئة إيجابية منفتحة تقف مع حرية الفرد وفكره وتحفز على منجز حضاري.
فوزية الحربي:
التحريض الأول والشرارة التي دفعتني للإسراع بجمع قصصي وترتيبها هو طلب نادي الرياض الأدبي الذي قدم رغبته بطباعة مجموعتي وكنت سعيدة بأن دفعوني لذلك، وقبلهم لم يكن لدي أي تفكير حالي لإصدار مجموعه لأني كنت أعتقد أن الوقت ما زال باكرا.
الذي حصل أن النادي الأدبي شجعني ولكن لأسباب إدارية لم يتسن لهم طباعة المجموعة فقمت أنا بطباعتها بشكل خاص.
مشعل العبدلي:
الكتابة أولا لدي حالة مزاجية، مهمتي فقط محاولة الانسجام مع نزقها وإلحاحها فمن الطبيعي تبعا لذلك ألا ترد في بالي مسألة نشر ما أكتب في كتاب لكن ثمة عوامل تضافرت سويا وعلى فترات لنشري مجموعتي القصصية أولها إلحاح ورغبة من أصدقاء في جماعة السرد وآخرين متابعين لما أكتب من قصص في بعض المواقع الثقافية على شبكة الإنترنت وأخص بالذكر تشجيع الصديقين عبد الواحد اليحيائي وعبد الواحد الأنصاري الذين أتعبتهما بترددي حول مسألة النشر. وثانيها أن كتاباتي ظلت حبيسة أدراجي وصفحات هذه المواقع الثقافية فترة طويلة تمتد إلى قبل ست سنوات من الآن، ونظرا لكونها تجربة متداخلة ما بين الكتابة العفوية دون تقنيات في البداية وبين كتابة يقول متابعون إنها ناضجة في آخر سنتين فكان لا بد أن أدون ما رضيت عنه من كتابات دفعة واحدة في إصدار أول وثمة عامل مهم وهو احتفاء نادي الرياض الأدبي بما جمعت من نصوص بعد تشجيع الصديقين وتحمسي للنشر وهو ما أعطاني الثقة كون مؤسسة ثقافية بحجم ناد أدبي تبنت نشر كتابي وهنا أخص احتفاء وتشجيع نائب رئيس النادي الدكتور عبد الله الوشمي المشرف العام على مشروع الإصدار الأول والذي صدرت المجموعة ضمنه.
أحلام الحميّد:
منذ أن خفق في صدري الشعر.. وأنا أحلم بضمّ خفقاتي في ديوان مطبوع.. حلمٌ صغير.. كَبُر معي وكَبُر.. وظلّ هاجسي الأول..
وبعد عشر سنواتٍ من النشر في الصحف والمجلات الورقية، ثم الدخول في عالم الشبكة العنكبوتية المدهش.. وبعد مدة من التروّي.. وعرض نتاجي على أساتذتي في الجامعة، وثلّة من النقاد والمتذوقين.. رأوا أن مجموعة من قصائدي جديرة بأن تُضمّ في ديوان..
وبعد سرقات توالت على أشعاري.. رأيتُ أن أوان الطبع قد حان، بخاصة أنني وجدتُ جمهوراً يحفل بما أكتب، ويتابع إنتاجي في الصحف أو عبر المنتديات الأدبية في الشبكة..
وهنا أستطيع أن أحصر العوامل التي شجعتني على نشر الديوان في أربع نقاط:
1- الحلم
2- الجمهور
3- رأي الأساتذة ومتذوقي الأدب
4- السرقات
محاذير
- وما كانت أبرز المحاذير التي وقفت في طريقك؟
حمد:
قبل إقدامي على هذه التجربة كنت أعتقد احتمال أن تطول فترة إجراءات ترخيص الكتاب من وزارة الإعلام، ولكن ما حصل هو خدمة عالية تتميز بسرعة ودقة بحيث إن اعتماد ترخيص ونشر الكتاب لم تأخذ أكثر من أربعة أيام، وهذا يعتبر إنجازا بفترة قصيرة ويدل على وقوف وزارة الإعلام مع المؤلفين ويدل أيضا على تنظيم بدرجة عالية.
وثانيا: كنت أظن عدم إقبال من المجتمع على المواضيع الفكرية الخالصة وعلى الكتب ذات الطابع الفلسفي بينما تدل بداية التجربة على اهتمام المجتمع بالقراءة والفكر وهذا ما يعكسه حجم الطلب على أغلب الإصدارات الجديدة.
فوزية:
كنت متخوفة كثيرا من الأخطاء المطبعية وعدم تقبل الجمهور لنوعيه قصصي وأسلوبي الرومانسي في طرح بعض القضايا.
مشعل:
كون الكتابة نتاج اصطراع داخلي ما هو بين مكبوت وما هو معلن، وكونها متنفسا وحاجة ومعاناة مضنية من جهة وفضاء ممتد يحتاج دربة وتمرس من جهة أخرى، كان أخشى ما أخشاه تبعا لذلك أمرين أحدهما شخصي من نتائج ذلك الاصطراع الداخلي وهو أن يساء فهمي على أنه سرد سيري أو ذاتي كما يقولون رغم أني أزعم أنه لا مفر من أن يتقاطع القاص خاصة مع حياته ومشاهداته وتجاربه وحتى أحداث يومه ويعيد توظيف ما يراه من كل ذلك في قالب قصصي. هذا الخوف مره أن البعض من الأقارب رأى في بعض النصوص سيرا ذاتية وانتقدني لكن تجاوزت هذا الأمر بعد أن ضايقني نوعا ما ولم يعد يعنيني الآن بقدر الأمر الآخر وأن يساء تقدير تجربتي القصصية كونها تجربة متداخلة خلطت نصوصا قديمة وبعضا من نتاجي الجديد والأمر الآن متروك للقارئ والناقد معا مع يقيني أن حرارة الكتابة وصدقها هما ما أتكئ عليه في جودة ما أكتب حتى لو كان قديما وبدون تقنيات دعمتها الخبرة والقراءة والممارسة الكتابية لاحقا.
أحلام:
في الحقيقة كانت الأمور الفنية في مقدمة محاذيري التي أخشاها..
كنتُ أخشى من الأخطاء الطباعية التي دائمًا ما تشوّه جمال أيّ منشور، لكن بحمد الله وفضله، ثم بالجهود المكثفة في المراجعة سواء من الأستاذ الفاضل صاحب دار المفردات، أو مني أو من إحدى صديقاتي التي بذلت معي تعاونًا مدهشًا - لا يفيه شكري - في التدقيق واختيار القصائد، كلّ ذلك مكّنني من تجاوزها، فخرج الديوان خاليا منها.
كما كنتُ أخشى من الإخراج، وصورة الغلاف والألوان.. فهي مهمة في جذب المتلقي إلى ما في داخل الكتاب.. والحمد لله أولا وأخيرا كانت على المستوى الذي أتمناه..
أيضا خشيتُ من مداهمة الوقت، وألاّ ينتهي الديوان قبل معرض الكتاب الذي أراه مهمّا في الترويج والدعاية لأي منشور.
مفاجآت
- وماذا عن المفاجآت التي صاحبت العمل أو جاءت بعد تمامه..
حمد:
من المفاجآت التي صاحبت العمل مفاجئة سلبية وهي تأخر المطبعة عن تسليم الكتاب بالموعد المحدد حسب الاتفاق معهم، إذ كان من المفترض تسليمه يوم الثلاثاء وهو يوم افتتاح معرض الكتاب الدولي الذي أقيم بالرياض مؤخرا حتى تتم الاستفادة من جميع أيام المعرض المتاحة، وما حدث هو أن المطبعة سلمت الكتاب في نهاية يوم الأحد الذي يليه أي بعد مضي خمسة أيام على بداية المعرض مما حتم زيادة وسرعة التنسيق مع دار النشر حتى يتم إعلان وتسويق للكتاب في النصف الثاني من فترة المعرض. ولكن بالمقابل كانت هناك مفاجئة إيجابية بعد استلام الكتاب، ففي وقت التوقيع على الكتاب تم التعرف مباشرة على نخبة من الوسط الإعلامي والثقافي وتم إهدائهم نسخ من الكتاب بعد أن كانت المعرفة بهم تقتصر على الاطلاع على كتاباتهم من بعيد أو من خلال حوار غير مباشر معهم.
فوزية:
أول مفاجئه لي عدم موافقة وزارة الإعلام على طباعه المجموعة بسبب اسمها حيث كان اسمها المقترح (ليتني ما تلوثت برجل) كان الخلاف لمدة ثلاثة أشهر على هذا الرجل حتى حذف رغماً عني ثم جاء اختياري لدار خارج السعودية مفاجئة أخرى واختيار غير موفق رغم أنها دار مشهورة ومعروف لكبار الأدباء هنا، تواصلت بالبداية معهم عن طريق أحد الزملاء الذي انشغل بعد ذلك مما جعلني أقع في مأزق التواصل المباشر معهم حيث كانوا لا يتواصلون إلا بالا يميل وبطريقه مزعجه وطال انتظار كتابي عندهم، وبعد أكثر من ثماني أشهر جاءت عرائسي بالشحن الجوي مفاجئه وصادمة فقد كان الإخراج سيئاً ورديئاً لوحة الغلاف لم تفرز ألوانها بشكل يوضح جماليتها، الورق أصفر قديم بشكل عام كانت صدمة لي.
مشعل:
لا مفاجآت حدثت إلا حكاية غلاف الكتاب فقد كنت سأقع في محظور باختيار لوحة فنية راقت لي ورأيت فيها مناسبة للعنوان دون إذن لولا نصيحة الصديق الفنان ناصر الموسى والذي أهداني بدوره لوحة رسمها خصيصا بعد أن تماهى في قراءة نص عنوان المجموعة.
أحلام:
بتوفيق الله ومنته كانت خطوات العمل تسير بسهولة ويسر وانسيابية.. منذ اليوم الأول للاتفاق مع دار النشر.. مروراً بمرحلة المراجعة، والصف، والطباعة، والتدقيق.. وحتى الانتهاء من إخراج الديوان بشكله النهائي.. في الوقت المحدّد والمخطّط له.
ومن إحدى المفاجآت الطريفة أثناء العمل، أنني كنتُ أتحدث مع إحدى الصديقات عن طباعة نتاجنا، وأخبرتني أنها انتهت من الاتفاق مع دار النشر، وأخبرتها كذلك عن نيتي.. ومضت الأيام.. وبدأنا الطباعة.. لنكتشف في النهاية أننا كنا نطبع في نفس الدار دون أن نعلم ذلك.
أما بعد تمام العمل.. كانت المفاجأة التي أبهجتني.. وملأتني فرحاً.. هي الإقبال الكبير على شراء الديوان؛ حيث كان ضمن أكثر الكتب مبيعاً في المفردات.. كذلك الاحتفاء به، والكتابة عنه في العديد من المنتديات الأدبية، والرسائل الإلكترونية التي وصلتني مهنّئة ومباركة من أناس لا أعرفهم.
طموحات
- وما طموحاتك مع هذا الإصدار وكيف ترى مستقبله؟
حمد:
على الرغم من اعتبار هذا المنتج تجربة أولى فإن ما توافق معه من مؤشر نجاح قد زاد طموحي نحو نمو أكثر لتسويقه، وربما تصدر منه طبعة ثانية في حال استمرار نجاحه بنفس المعدل.
ونجاح الإصدار الأول يعد حافزا على إصدارات لاحقة تلبي حاجة المثقفين والمهتمين بميادين الفكر وأيضا تلبي حاجة المجتمع القارئ.
ومن جانب آخر فإن الإصدارات الجديدة والمتواصلة تعد رافدا لدعم وتفعيل ما لدى الكاتب من أهداف معرفية سواء كانت هذه الأهداف موضوعية تتناول قضايا ومفكرين أو كانت ذاتية وإبداعية تميز الكاتب وفكره.
فوزية:
اطمح إلى أن أعيد طباعته هنا بالسعودية بشكل يرضيني وأعمل الآن على ذلك، مستقبل مجموعتي مثل مستقبل كل المجاميع قبلها تقرأها النخبة والمهتمين ثم يعلوها الغبار على رفوف المكتبة.
مشعل:
لا أطمح أكثر من أن يصل لقارئه ويحقق له المتعة أو أن يقدم شيئا عن حياة أبطال نصوصي، ولا أخفيك أني مسرور لتلقي الكتاب في المعرض الأخير إذا ما قارناه بما صدر من مجموعات قصصية ومن آراء بعض القراء من بعض الأصدقاء وآخرين وما لاحظوه وعلقوا عليه من نقاط قوة وضعف في أسلوبي الكتابي، وسروري أكثر لتعدد الرؤى حول بعض القصص وتأويلها ما يعني أني نجحت ولو بشكل بسيط أن أستحث قارئي ليفكر.
أحلام:
الأحلام والأماني والطموحات كبيرة.. وإخراج الديوان ونشره، هو بحدّ ذاته من أكبر طموحاتي.. والأصداء الطيبة له في معرض الكتاب تجعلني أستبشر خيرًا.. ف (أنا من خيال).. هو نبضي بين أيديكم.. شجنٌ.. ونزفٌ.. وخفْقٌ.. ودفْق.. وبوحٌ تسلّل من أغوار روحي، وكلماتٌ تقافزت من شفتيّ، تفاجأتُ بها مُدنْدنةً موزونةً منذُ أن كنتُ أحملُ قلبَ طِفْلةٍ في العاشرةِ من عمرها..
ما انتقيته لكم كان نبضًا كُتب على مدى عشر سنواتٍ.. خجولاً.. ينبضُ باستحياء.. حلمه أن ينقلَ المشاعر الإنسانيّة.. تلك التي تختلجُ في أعماقي، وتخفقُ في حشاي.. إلى كلّ إنسان عاش بعض التجارِب، ولم يستطع التعبير عنها.. وإلى كلّ متذوقٍ يُطربهُ الصّدق، وتهزّه العاطفة.. ويشجيهِ النّغم الرّاقص..
أخيراً
- كلمة أخيرة حول إصدارك الجديد.
حمد:
آمل أن يكون إصداري الأول يساهم بقدر الإمكان في توضيح دور وأهمية التفكير وبالتالي الفكر في تحفيز الإنسان لمزيد من المعرفة والإبداع وتفعيل إنجازاته في شتى المجالات بحيث يتم تطور ورقي للأفراد مما ينعكس إيجابا على المجتمع.
فوزية:
بالواقع أن قصصي المطروحة بهذا الإنتاج الجديد بناتي فعلاً أحبهن بقدر الألم والفرح والبهجة التي صاحبة ولادتهن، أتمنى أن تكون قريبه لسماء كل من اطلع عليها.
مشعل:
تجربة إصدار مجموعة (رسام الحي) كانت مربكه ومثيرة وجميلة في فتراتها المتعددة وحتى في أن واحد وكونها تجربة أولى في النشر فلها حساسيتها وطبيعتها الخاصة والآن وقد أنهيتها وتخلصت منها وراء ظهري ما يجعلني أقف الآن على عتبة جديدة أستشرف إنتاجا آخر أجزم أنه (بعض النظر عن فنيته من عدمها) أنه سيأخذ وقته ومساحته دون ضغط أو حساسية أو وجل وتردد. وقد يكون بعيدا عن خطي الإبداعي السردي، حيث أنا مهتم جدا بقضايا الفكر والثقافة والمجتمع وعلوم الإنسان أو ما يسمى بالأنثروبولوجي.
أحلام:
(أنا من خيال).. قلبٌ على ورق.. جاء في (107 ص) من القطع المتوسط، يحتوي على 35 نصّا، تتراوح بين شعر الشطرين والشعر التفعيلي.. ما زلتُ أعيش في أصدائه.. وأنتشي فرحًا به كمولودٍ جديد يملؤني حياةً وطربًا وضياءً.. سائلةً الله عزّ وجل أولا وأخيرًا إلا يضيّع التعب والجهد اللذين بُذلا فيه.. وأن يلاقي المزيد من الألق.. والقبول.