قال لي أستاذنا القدير الدكتور عبدالله الغذامي، وفقه الله إلى كل خير، إن من الناس من ينكر استعمال (رحمه الله) بصيغة الفعل الماضي فتراه ينصح غيره بأن يستعمل الفعل المضارع (يرحمه الله) بدعوى أن الفعل الماضي إنما يستعمل لما مضى، والفعل المضارع يستعمل للمستقبل، والرحمة من الله لعبده أمر مستقبل بيده سبحانه وتعالى، وليس لأحد أن يعبر بالماضي وهو لا يعلم عن حدوث الرحمة. وكان أستاذنا يستغرب هذا القول. وبيّن لي أنّ الناس هم أنفسهم يستعملون الفعل (رضي) وهو فعل ماضٍ، وقال إنّ استعمالهم للفعل الماضي في لغة الخطاب اليومي كثيرة، يستعملونه وهم لا يريدون انقضاء الفعل؛ بل يريدون العزم على تحقيقه عزمًا جعله كالمنقضي؛ فالواحد منهم يقول لصاحبه يحثه على المضي: (مشينا)، أي لنمشِ أو (امشِ)، فصار الماضي بهذا السياق مرادًا به الأمر، والأمر إنما يكون لما يحدث في المستقبل.
وما قاله الأستاذ حق فالفعل الماضي قد ينتقل من دلالته الإخبارية على حدوث الفعل التي يحتمل بها الصدق أو الكذب، إلى دلالة إنشائية، هي الدعاء، لا يحتمل بها الصدق أو الكذب، كما في قولنا: (رحمه الله، غفر الله له، وأسكنه فسيح جناته، وتغمده برحمته) ونقول في رسائلنا وخطاباتنا: (حفظه الله)؛ ولذلك يصح أن نقول: المرحوم، والمغفور له، ولا حاجة إلى الاشتراط كما يفعل بعض الناس في قوله: المغفور له بإذن الله، كما في عنوان مقال (رؤية المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد لقضية الجزر الإماراتية الثلاث). وأقول لا حاجة إلى الاشتراط لأن الغافر هو الله ولا يحتاج تبارك وتعالى إلى إذن.
وقد استعمل الفعل الماضي في القرآن الكريم للدعاء فصارت الدلالة على المستقبل قال تعالى: (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(التوبة:30). جاء في فتح القدير- (ج7- ص 227) (وقد تقول العرب هذه الكلمة على طريقة التعجب، كقولهم: قاتله الله من شاعر، أو ما أشعره، وليس بمراد هنا، بل المراد ذمهم وتوبيخهم، وهو طلب من الله سبحانه طلبه من ذاته -عزّ وجلّ- أن يلعنهم ويخزيهم، أو هو تعليم للمؤمنين أن يقولوا ذلك). وذكر ابن فارس في (الصاحبي، ص353) أن من سنن العرب إقامة الكلمة مقامَ الكلمة؛ فيقيمون الفعلَ الماضي مقامَ الراهن. ومن استعمال الماضي للدعاء قول مروان بن أبي حَفْصة:
سقى الله نجدًا والسلام على نجد
ويا حَبَّذا نَجدٌ على القُرْب والبُعْد
ولما كان الماضي بمعنى الدعاء الطلبي كان من شأنه أن يُربط بالفاء إن كان جواب شرط، كما في شاهد سيبويه الذي ورد في خزانة الأدب للبغدادي:
إذا ابن أبي موسى بلالاً بلغته
فقام بفأس بين وصليك جازر
قال البغدادي: (وقوله فقام بفأس هو جواب إذا. ودخلت الفاء على الفعل الماضي لأنه دعاء، كما تقول: إن أعطيتني فجزاك الله خيرًا؛ ولو كان خبرًا لم تدخل عليه الفاء).
فليس علينا أن ندعو بقولنا رحمه الله وغفر له وأن نقول المرحوم والمغفور له.