لم يصدمني تقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، ولم يذهلي نفاد صبر الصين التي أصدرت تقريراً مضاداً له استهل بتعليق من وزن الشتائم الدبلوماسية الثقيلة الموجهة للولايات المتحدة الأمريكية منه: (الانتقادات الوقحة حول حقوق الإنسان في الدول الأخرى تسير بموازاة النسيان المتعمد لمشاكل حقوق الإنسان على أراضيها)!!.
ولم يكل العملاق الصيني الغاضب شتيمة (وقاحة) لتوصيف التقرير الأمريكي فقط، بل وأضاف لشتائمه عيارات أخرى أثقل وزناً توصف التقرير بأن نتاج: (المعايير المزدوجة والنفاق الحقيقي.. في مسألة حقوق الإنسان). والصينيون بذلك لا يكتشفون حقيقة، بل يذكّرون بحقيقة أن مجلس الأمن الدولي، والصين عضو فيه، وبعد إستحواذ أمريكا عليه، صار من أكبر المجالس الدولية (نفاقاً) في قراراته وفي (بنده السابع) الشهير،: الذي لا يستخدم إلا بحق المسلمين، والعرب منهم بشكل خاص، على نفاق مصالح دولية مشتركة الحقت أكبر الكوارث الإنسانية وأكبر الانتهاكات في حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط دون غيرها.
صار من الثابت ان (الفوضى الأمريكية الخلاّقة): تقيس حقوق الإنسان الأمريكي والأوربي والاسرائيلي على مكيال (ربّاني) فريد، لاتنطبق مواصفاته وامتيازاته (الربّانية) على حقوق الإنسان في اية بقعة اخرى من العالم، الذي قسّم رغما عنه إلى: بشر ذوي حقوق إنسانية، لمن ولد في حماية الدول الحاملة لمفاتيح (الفيتو) الدولي وحلفائها، وبشر تتصدق عليهم الفئة البشرية الأولى المختارة (رّبانيا) بين فترة واخرى بتقرير منافق هنا، وببعض الحقوق المنتخبة التي تخدم مصالحها هناك.
ما زالت الولايات المتحدة تقيس البشرية وفق مكيالها اللا إنساني العجيب القائل: (إن لم تكن معنا فأنت ضدنا) حتى على صعيد الداخل الأمريكي نفسه كما قالت الصين تماما، ومازالت تخول نفسها (حق) خرق كل حقوق الإنسان بحق كل مسلم شاء له حظه ان يطأ أراضيها سائحا أو طالب علم أو مقيماً، أو يقترب من مصالحها، خارج أراضيها، لمجرد (الشبهة) وبدون أدلة حتى، وقد يمضي العمر كله في معتقلاتها العلنية والسرية المنتشرة حول العالم دون محاكمة.
ويشوي التقرير الصيني (حقوق الإنسان)، وفق مفهومها الأمريكي بشتيمة اخرى، فيوصّف الادارة الأمريكية بأنها: (معروفة بانتهاكاتها لسيادة دول اخرى وانتهاك حقوق الإنسان فيها)، وهذا صحيح ايضا. ولعل ابرز ما يحصل الآن في منطقتنا هو: الحصانة التي تدرّع وتخوّذ بها الجنود الأمريكان الغزاة في العراق من كل مساءلة قانونية عراقية!!. وحتى اذا خضع الأمريكي لمساءلة قانونية امريكية فحقوقه الإنسانية أمر: (ربّاني)!! وحقوق ضحاياه العرب والمسلمين الذين قتلهم عن عمد موثق مشهود في العراق لاتساوي حقوق قط ّ ضال قتل سهوا في شوارع نيويورك.
ودون شك تنسحب الشتائم الصينية الثقيلة تلك على بعض من حسبوا انفسهم علينا مسلمين وعربا من خلال المثال الذي ساقه التقرير الصيني: (غزو القوات الأمريكية للعراق الذي أدى إلى أكبر مأساة في انتهاك حقوق الإنسان، وأكبر كارثة إنسانية في العالم المعاصر)، تجاهلها عن نفاق غير عجيب نوّاب (عراقيون) استنكروا على البرلمان (العربي!؟) توصيفه للعراق (محتلا )، خلافا لما تراه اميركا نفسها (!!) ومعظم دول العالم المتحضر وغير المتحضر ومابينهما!!.
والوجه التجاري لتقارير حقوق الإنسان الصادرة عن الإدارة الأمريكية الحالية هو انها تصدر وفقا لأجنداتها السياسية في الضغط على الدول لأغراض لاعلاقة لها بحقوق الإنسان اصلا لتجني المكاسب الإقتصادية والدبلوماسية على حساب حقوق الإنسان في الشرق الأوسط ذاته، والا ّ فما معنى وما مبنى ان تطالب بعض التقارير (الإنسانية) الأمريكية المملكة العربية السعودية ب (حريات دينية) مثلا، وهي تعلم كما يعلم العالم كله أن أغلبية سكانها المطلقة هم مسلمون ؟! وان المملكة، وبمعزل عن السياسة دولية أو اقليمية، تمثل أقدس الأراضي الدينية عند ما لا يقل عن (1.4) مليار مسلم؟!.
jarraseef@yahoo.com
- روائي عراقي مقيم في أمريكا