يبدو أن كل شيء يحمل ضده أو وجهه الآخر أو نفيه وانعدامه بين طياته.. فالحياة جملة من المتناقضات التي تعتمل في رؤوسنا حتى الموت.. فالموت وحده طاهر من النقائض، لكنه في ذات الوقت خلفية جيدة لندرك عن وعي تناقضات الحياة التي قد تبدو أحياناً ملونة ومتناسقة ومؤهلة للتصديق.. وبها كثير من القراءات الحقيقية لم تحيكه صدورنا من خلف الوعي والفهم وصائب القراءات!
لو حسبنا الدروس التي تعطينا إياها الحياة تارة جملة واحدة، وتارة على فصول، لوجدنا أن دروسها نقيض تماماً لهباتها.. وكأنها عن سبق ترصد تريد أن تعلمنا كيف نرجع البصر إلى دواخلنا وعقولنا كي نُكمل فصول المسرحية بإرادتنا.. ونقبض على خيط الحقيقة الرفيع الذي يصفق له الوجدان كونه خيط المعرفة الحقة التي تصل بنا إلى فردوس الروح.. تريدنا أن نتخذ موقفاً ونترك الانتقال من جُحر الى آخر.. من وجه الى آخر.. من رغبة إلى أخرى.. تريدنا أن نكون نحن.. أن نُحسن قراءتها ونعرف كيف يكون قانون شعرة معاوية معها فنُرخي تماماً في اللحظة التي تشُد بها على أكتافنا.. ونشُد في اللحظة التي تُرخي هي فيها لتختبر الصدق في نوايانا.. فإذا ما اتفقنا في شد أو إرخاء أنهت النهار وغادرت.. بخيبة.
الحياة تعطينا ما نريد.. ومن ثم تشرح لنا بالتفصيل نقائض ما نريد.. تعطينا الدرس كاملاً حتى نتوقع أنه الدرس الأخير الذي سنتعلم بعده الحكمة وبُعد النظر.. ولكنها ما تلبث أن تخبرنا أن لكل درس قواعده.. وأن القراءة الحقة لدروس الحياة لا تكتمل إلا بتشكيل نص الحكاية.. وأن الوجوه أيضاً يلزمها أحياناً كسرة وضمة وفتحة لنتعلم جودة قراءتها.. وأن النص الذي نقرأ سطوره مكسوراً يوماً ما قد تأتيه الفتحة بفتح مبين...!
وكلما كبرنا كبرت دروسنا الحياتية واتسعت رقعتها وأصبحت تحتاج أن نعد لها ما استطعنا من عدة الجهاد.. خلاصة كل درس بداية لاختبار نقدمه في درس جديد، فإذا خرجنا على سبيل المثال من درس أول أن لا نعاند قدر ما جاء الدرس الثاني في اختبار هذه الفكرة.. ووقتها إن استطعنا الفوز خرجنا بخلاصة لدرس ثالث!!
وهكذا إلى أن نواجه درسنا الأكبر: الموت.
لهذا دروس الحياة تحتاج أن نقرأ التاريخ جيداً، ونضيف إلى ذلك وعينا الشخصي.. لأن قراءة التاريخ بلا وعي شخصي يحقق تلك النبوءة المصنوعة: التاريخ يعيد نفسه. وهذا يجعلنا ندور في ضلالة الدرس الواحد...!!! والنتيجة الواحدة..!!! والعجز المسبق عن فعل أي شيء...!! والإيمان المطلق بالقوى الخفية التي ستحرر ضمائرنا بعصا سحرها من سحر عصانا وعصياننا ومعاصينا!!
الحياة عادة تقدم لنا الدروس الجميلة، والقاسية، والمضيئة، والمعتمة.. لكن أجمل دروسها ذلك الدرس الذي يعلمنا: النبل.. الذي يعلمنا أن لا ننسى الإنسان الذي بداخلنا في زحمة ما يأتي صدفة ويذهب على عجل.. وأن نعيد قراءة الوجوه التي نعرفها مرة أخرى، فلربما جاءت هذه القراءة أكثر إنصافاً.. وأكثر حباً.