كنت كتبت عن الفن التشكيلي في القصيم وعن بعض بداياته وعلاقة بعض الفنانين بالبيئة والعدد القليل من الأسماء التي ذكرتها هي نماذج من أسماء كثيرة تشارك وتشكل حضوراً على المستوى المحلي أو على مستوى الأنشطة المقامة في القصيم. والفنانون المهتمون بالمكان نجدهم في أكثر الأماكن التراثية نجدهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة وأبها والرياض والأحساء والقصيم والقطيف وغيرها.
وفنانو هذه المدن ينقلون معهم - أينما حلوا - أماكنهم سواء بالصورة المباشرة والمحاكية أو بالصورة الفنية الأحدث.
البيئة لم تكن لتغيب عن أعمال كثير من المعارض لكن الفنانين في القصيم أكثر تعلقاً بها فالرسم بالنسبة لكثير منهم لا يتمثل إلا بالمحاكاة، وقد تحدثت مع عدد منهم حول ذلك فبعضهم يرى الرسم المباشر أو المحاكاة هي الفن الحقيقي وهي ما يحدد إمكانية الفنان وهويته وشخصيته الفنية وأن الرسم المباشر للبيئة يكون أكثر تعبيراً عن الارتباط بالمكان وغيرها مما يعزز التواصل مع الجمهور الذي يميل إلى المحاكاة والتمثيل البيئي المكاني، وهذا لا نختلف على أنه أحد الأوجه التي لا يحدد هوية الفنان ولا يمكن تحديده أو فرضه لأن الاختلاف في الفن والاتجاه إلى مناحيه المتنوعة يعني تنويعاً وثراء ولا أعتقد أنه يمكننا فرض أسلوب أو اتجاه على أحد.
فنانون في المدن التي أشرت إليها اهتموا بالبيئة المحلية إما لسبب أن مجتمعهم القريب يميل إلى هذا الاتجاه، أو أنه تعود على الرسام عوائد مادية وتكون فرص البيع أكثر، وأعتقد أن من أهم الأسباب الداعية للحفاظ على هذا التوجه أن الفنان لم يختلط كثيراً بالمجتمعات الفنية الأخرى المنفتحة وتكون غالباً حركته على نشاطات محلية محدودة ونمطية والاحتكاك يكون مقصوراً على فئة تدور في فلك معين.
هذا أحد الأوجه ولا أعتقد أن الحركة التشكيلية في المملكة إلا متنوعة وثرية بالتيارات الفنية المختلفة وعدد من زملائنا المحسوبين على التيار الواقعي يمتلكون القدرة على التعامل مع غيره فمشاركات بعضهم تبين ذلك، لكن آخرين يرون أنفسهم في هذا الاتجاه أبرزهم صفية بن زقر التي أنشأت دارتها الفنية لحفظ التراث المحلي من خلال لوحاتها الخاصة ومقتنياتها للأزياء والأدوات المحلية وهذه قناعة كبرت عند الفنانة ولم يغيرها عن هذا الخط رحلاتها ومشاهداتها واحتكاكها الخارجي ومثلها ضياء عزيز فالفنان يتجه بأفكاره الواقعية إلى معالجات حديثة لكنه لم يزل رساماً تحمل بعض أعماله قيماً فنياً رفيعة لعل من أبرز أعماله الأخيرة لوحته عن الكعبة المشرفة التي رسمها لمعرض (مساجد تشد إليها الرحال) وأقيم هذا المعرض في جدة قبل أكثر من عام.
استسهل بعض الفنانين عملية الرسم من الواقع ووجدوا فيه مبتغى، وكان اتجاه الفنان علي الرزيزاء مرجعية للبعض فتبنوا تقنياته لينقلوا على حسها مشاهد مزخرفة ومزينة ومذهبة أيضاً لأبنية شعبية من بيئة محددة وتم طباعتها ووجدت مثل تلك الأعمال رواجاً، مثل أعمال فنانين آخرين تناولوا مشاهدهم من محيطهم الشعبي.
رسم البعض من المحيط البيئي أعمالاً قليلة تحمل تعبيرها الخاص القائم على التعبيرية الفطرية سواء في تناول المشهد البيئي المحلي لمكان الفنان أو على مستوى المعالجة الفنية التي تحمل البساطة والتلقائية لعلنا وجدنا لوحات محمد الصندل تحمل هذا الحس وهي في الواقع تمثيل لشخصية الفنان مع قلتها فهي تنقل من الذاكرة المشهد المحلي لمكان الفنان، وقد توجه لذلك وعلى نحو مختلف فايع الألمعي الذي رسم من البيئة العسيرية مسبوقاً بأعمال فنانين آخرين يعيشون نفس البيئة لكننا لم نجدهم يتواصلون بنفس التوجه فعدد منهم يتجه إلى أعمال تحيديثية فيها التعبير والتجريد وأحياناً استيحاءات حروفية أو كتابية.
النقل لمظاهر أو لأشكال وأدوات أو لمكان يمثل تياراً في الحركة التشكيلية السعودية وهو مع تنوع المتعاملين واختلافهم إلا أن نتاجاتهم تبقى جميلة في تنوعها ومن هنا كانت الأعمال الفنية وكذا رؤية كل فنان وقدراته على التعامل معها بما يميزه أو يشابهه بغيره.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«7177» ثم أرسلها إلى الكود 82244
- الدمام
aalsoliman@hotmail.com