Culture Magazine Monday  16/06/2008 G Issue 252
تشكيل
الأثنين 12 ,جمادى الثانية 1429   العدد  252
 

قلة تميزوا فيها وأخافت الكثير
الفنون الحديثة في الساحة تثير الجدل وتجذب أنصاف الفنانين

 

 

رياح الحداثة التي عصفت بالفنون التشكيلية العالمية أحدثت الكثير من ردود الفعل بين القبول والرفض بين ما هو متعارف عليه في شكل الصورة والنص البصري المباشر في الأعمال المتحفية وبين ما طرأ من توجه نحو الفكرة العابرة التي لا يجد مما نتج منها إلا ما تبقيه ذاكرة المشاهد، فهي كالمسرحية تبرز عناصرها وأشكالها وقت العرض وتنتهي بعد إسدال الستار، هذا الواقع جذب الكثير من التشكيليين على مستوى العالم ومنهم التشكيليون المحليون في الساحة السعودية والخليجية، البعض منهم استطاع أن يجمع بين الحداثة والخصوصية، ومنهم من ترك لإبداعه وفكرته العنان، الأول وضع رموزه الشعبية كالمقبلات لجذب المشاهد والآخر ابتعد كثيرا عن أي إشارة أو علاقة بمستلهماته التراثية، ومع ذلك تبقى هذه التبعية مثار شك في إمكانية استمرارها وبين عودة هؤلاء الفنانين إلى البحث عن كيفية إمساك العصا من منتصفها والجمع بين ما يحقق للفنان حرية التعبير وبين ما يقنع المتلقي، خصوصا المقتني.

لقد أصبحت هذه الأعمال المتأثرة بفن اسمه الحداثة تأتي غالبيتها بناء على توصيات قاعات العرض الفنية في أوروبا وأمريكا، يرى البعض أنها تعمل بهدف إلغاء حقيقة الفن، من خلال قبولها أعمال تفتقد أبسط القيم الجمالية اعتمادا على الشهرة السابقة لأصحابها. هذا التوجه أحدث فجوة كبيرة بين مفهوم الحداثة المعتمدة في تكويناتها على العبث والفوضوية عند تشكل عناصرها الأساسية، وبين ما يبحث عنه الغالبية من فن تشكيلي معاصر بمعنى الحداثة التي تنهل من منابع الحياة تجمع القيم الجمالية الحقيقية التي يقبلها العقل وتسر لها العين وتستحق الاقتناء.

تجارب محلية

وبما أننا هنا في المملكة وفي الخليج جزء من العالم وأن علينا الانفتاح والسير بخطوط متوازية مع ما نراه من تطور في مختلف نواحي الحياة ومنها الفنون فإن هذا التماشي يجب أن يكون متزنا كما هو متواز في مساره نتفق فيه على قبول الجديد لكن قد لا نلتقي مع ما نراه مخالف لواقعنا الثقافي، لهذا يرى البعض أن في التجارب التي أخذت في الظهور على سطح الساحة غير واضحة المعالم ولا زالت تفتقد تحديد الهوية متكئ أغلبها على التقليد الساذج أو التأثر السريع الذوبان في حال عدم قدرة الفنان على تطوير تجربته، لهذا فمفهوم الحداثة بما فيها الأعمال المفاهيمية والفراغية وكل ما يطلق من أسماء وصفات إن لم تكن ذات بعد فكري وفلسفي يمثل الواقع والمحيط فلن تكون سوى أعمال طبق لمنتج غربي نرى فيه الشكل ونفتقد المضمون الذي يكون في الأصل غائب عن مفهوم الفنان ذاته تجاه منتجة الفني كون العمل جاء مصادفة أو مجرد تجربة ينتظر من خلالها ردود الفعل التي تحمل الاندهاش وعلامات التعجب وهذه أعلى درجات النشوة لديه.

وإذا عدنا إلى الساحة المحلية فسوف نجد تجارب قليلة في مضمار الحداثة والتعامل مع الفكرة الغيبية المسجونة داخل ذهن المؤدي البعيدة عن مفهوم المشاهد العام المعني بالرسالة الفنية مع ما يمكن أن يجد فيها الناقد أو القارئ للعمل فرصة لاستخراج نص مكتوب قد لا يتوافق مع ما يختزله عقل الفنان من معنى للعمل إلا أنه يبقى نصا جديدا يرضيه مع ما يفتحه من أفقا جديدا في مفهوم المشاهد. وعندما نستعرض الفنانين الذين أثروا الساحة بهذا الموجه خصوصا معالجة العمل بتعدد الوسائط نجد الفنان رائد الفن الحديث في الخليج وبالمملكة فيصل السمرة الذي يبعث فينا التساؤل بحثا عما وراء العمل ومن الشباب الفنانين محمد الغامدي الذي يفاجئنا في كل عمل بمعالجة حديثة يجمع فيها ما لم يعد له في عقولنا مساحة ليذكرنا به ويعيد قيمته الجمالية كما هي الأعمال التي يشكلها بقطع الخشب مع ما يضيفه من معادن مستهلكة بحرفية وتمكن ينتهي بعمل مكتمل التكوين وصولا إلى ما قدمه من أعمال في معرضه في جده بعنوان صفائح، كما نذكر الفنان زمان جاسم بتجاربه اللونية ذات الإيقاع الموسيقي وبحثه الجاد في تشكيل الكتلة بمعاجين ووسائط جعل منها سمة له وجد فيها البعض مفتاح بتجارب أخرى ومهدي الجريبي بما خرج لنا به في فترة سابقة من جراءة في التعبير واقتناص ملامح الفكرة ليعيد إحياءها بشكل معاصر منها ما ساهم به من إضافات ومنها ما قدمه بشكله المتصل بالماضي زمان ومكان، ومحمد القثمي بالمسامير التي جعل منها نصا رائعا جمع فيه الإحساس بالألم والجمال، فالمسمار له من المعاني الكثير في صلابته وتحمله وأهميته في ربط العناصر فكيف إذا كانت الفكرة تعني الحياة ومن فيها كما لا ننسى إبداعات عبدالناصر العمري التي حقق في بحثه في الشكل ووسيلة التعبير وأسلوب التنفيذ ما لفت الأنظار وكسب الإعجاب جامعا بين معاصرة التكوين والتوظيف بإيحاءات الهوية رموزا وعبارات أو حروف.

هذه الأعمال وغيرها من الإبداعات المدروسة والآتية من نتاج ثقافة ووعي كبير من قبل هؤلاء الفنانين حاملة سبل التعبير عن الحياة بأساليب قد تكون قاسية في الشكل لكنها محرضة على إثارة الأسئلة في أعماق الوجدان بكل ما في تلك الأعمال من فلسفة تنبع من الفكر المنطلق من علاقة روحية ورؤى تشكل خلاصة الفنون الحديثة، التي تستخلص رحيقها من الإدراك الكامل لصلة الجمال بالطبيعة، بالتركيز علي الخيال واستحضار الواقع بأسلوب مختزل، بميل وبنزعة نحو سبل تعبير جديدة تقوم على أسس معاصرة تقبل التجربة وتحللها وتضيفها لتطوير فنوننا دون إفراط أو تفريط.

الانفتاح نحو الجديد

هذه التحولات القليلة من ممارسي تنفيذ الأعمال بالوسائط المتعددة والخامات وبهذا النحو من التجريد المفرط في تكوين العمل والاعتماد على الإيحاء وردود الفعل والتحليل الفلسفي من قبل المتلقي رغم كثافة الأمية البصرية التشكيلية في عالمنا القريب أو العربي عامة مثار جدل في إمكانية نجاحها واستمرارها من خلال طرح تساؤلات كبيرة حول مصداقية رؤية البعض لها ممن وجد في مثل هذه التجربة منطلقا وفرصة للحضور والمشاركات بتجارب خاوية الوفاض، وإذا كنا نتابع مثل تلك التجارب من أعداد كثيرة من التشكيليين من أجيال متفاوتة ومختلفة التجارب فإن المثقف والناقد والعارف لأبعاد مثل هذه التجارب لا يمكن أن يقبل إلا بالعمل الحقيقي منها وغض الطرف عما يقدم تحت مسماها من أعمال هزيلة اعتقد هؤلاء بأنها ضرب من الفن والإبداع نتيجة قصر نظرهم فيما يمكن أن ينتج عن هذه التجارب من بحث عميق للجمال الداخلي للحداثة وكيفية الجمع بينها كفكرة وبيّن الشكل الذي تظهر به للمشاهد لتقدم لنا فناً بمختلف أشكال الفن التشكيلي رسم ونحت وجرافيك.. مستلهمة من الواقع المحيط ومستفيدة من الآخر البعيد الحديث تجمع وتلملم فيه أطراف الواقع وتطعمه بالخيالية الحالم، تعكس روح الإبداع وتثير السؤال الملهم لاكتشاف هيئة جديدة لإبداعات مرتبطة بكل ما يتعلق بالحياة من تطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مهما جاءت رؤيتهم صارمة نتيجة رد الفعل على ما يدور في الواقع اليومي من عدم الثبات.

عالمهم الخاص

تلك الأسماء التي أشرنا إليها كأمثلة وغيرها من الأسماء التي لا تتسع المساحة لذكرهم على مستوى العالم العربي رغم ندرتهم لهم عالمهم الفني الخاص مهما بحثنا عن بوابات الدخول إليه فلن نفلح في معرفتها، أفكارهم، فلسفتهم، نظرياتهم، كلها أساسيات في إنجاز تلك الأعمال التي يضيفون فيها بُعداً آخر مع كل تجربة.

هذه التجارب التي يعلمون أنها لن تكون ذات قبول مناسبة للعرض التقليدي المعتاد، من الفنانين التقليديين واللوحات الواقعية التي تسجل الشكل فوتوغرافيا إلا أنهم يعون أن الفن المعاصر المعتمد على الديناميكية والتحرك نحو الجديد والتعامل مع الفكرة واللحظة والإيحاء والومضة السريعة يحتاج إلى مجتمع ممتلك للثقافة البصرية وواع بما يحيط به. فمع أن هؤلاء المحدثين في الفن يستطيعون تلبية رغبات الساحة العامة إلا أنهم يرون في البحث عن سبل التعبير الجديدة ما يشعرهم بأنهم أحياء متجددون.

أخيراً

هذه الإطلالة السريعة على جانب من جوانب الساحة التشكيلية المحلية لا تعني إعطاء هؤلاء أو من يبحث عن الجديد في تطوير سبل تعبيره وإبداعه حقهم من تسليط الضوء ولكنها إشارة نحو تقريب مفهوم مثل هذه الومضات الجديدة في عالم الفن الذي يأتي نتيجة إفرازات المتناقضات الحياتية بين الخير والشر وبين القبح والجمال وما تعكسه هذه المتناقضات على كل ما هو جميل في حياتنا، ليأتي أيضاً صراع آخر في محيط العطاءات الإنسانية بين الفن واللا فن، أما ما يجب أن نختم به هذه الإطلالة فنقول إن ليس كل عمل مفاهيمي أو تجريدي ضربا من ضروب العبث كما أنه ليس كل عمل هزيل اعتقد صاحبه أنه جميل سيكون جميلاً.

monif@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة