ربما يستغرب الكثيرون هل يوجد أحد يمدح القبح لكن واقعنا يقول نعم فمعظمنا يمدح القبح لكن بشكل غير مباشر من خلال الكثير من أفعالنا وتصرفاتنا، فعندما نتنافس في بناء ناطحات السحاب ونجعل مدننا تفيض بهذه المباني الشاهقة التي تقزمنا كبشر لنتيه بينها وتجعل مدى رؤيتنا قصير بدل النظر إلى الأفق الرحب أو مشاهدة القمر والسهر على ضوئه الجميل، وإذا أضفنا أن هذه المباني الشاهقة باتت تجاور مدن الصفيح أو مناطق السكن العشوائي لتزيد من قبح المنظر مشهدياً وإنسانياً وأخلاقياً، والأنكى من ذلك حين يكون هذا الفعل على حساب المساحات الخضراء من غابات أو واحات أو أراض زراعية وخاصة في وطننا العربي الذي يعاني أكثر من غيره من التصحر والجفاف حيث تقتلع هذه الغابات والواحات الخضراء ليزرع بدلاً عنها غابات من الأبنية والشوارع والسيارات، وحين نساهم بزيادة ظاهرة الدفيئة حتى على المستوى الفردي من خلال نمط استهلاكنا وكميته، فحتى الثمانينات من القرن الماضي كان للعائلة المقتدرة مادياً سيارة واحدة تستخدم فقط للعمل أو التنزه أيام العطل بينما اليوم يكاد يكون لكل فرد من العائلة سيارة حتى للمراهقين لسباقات الشوارع والتشفيط لنزيد من نفث الغازات السامة التي تطلقها عوادم السيارات عدا عن التسبب بالحوادث الكثيرة والخطيرة التي تزهق فيها أرواح أبرياء كثيرين لا ذنب لهم إلا صدفة وجودهم حيث يتسابق هؤلاء المراهقين، وحين نستهلك الورق على طباعة كل ما هو ضروري وغير ضروري ومفيد وغير مفيد دون النظر إلى حاجة السوق الفعلية ليتلف فيما بعد بالأطنان وكأننا لا نعلم أن هذا الورق الذي نتلفه يستهلك غابات من الشجر الأخضر الذي يساهم في تنقية هوائنا الذي نتنفسه من غاز Co2 الذي يسبب ظاهرة الدفيئة التي سوف تسبب لنا الكوارث في المستقبل القريب، وحين ننتج مواد استهلاكية من أطعمة وأشربه وغيرها ما يفيض عن حاجاتنا خاصة في المناطق الغنية ليتم إتلافها فيما بعد بينما يوجد مناطق أخرى فقيرة في أمس الحاجة إليها، وحين نجهز للتباهي والتفاخر مائدة تكفي مائة شخص لعشرة أشخاص فقط لنتلف الباقي فيما بعد، أليس كل ذلك تمجيد ومديح للقبح المادي والأخلاقي، وحين نقوم بتغيير ديكورات وفرش منازلنا ومكاتبنا ومحلاتنا وكذلك تغيير سياراتنا ربما كل سنتين تبعاً للموضة الجديدة، بينما كنا لا نغير ذلك إلا حين ينتهي عمره وأكثر، وبعد أن تحولنا إلى كائنات استهلاكية بشكل كبير نستهلك موارد الأرض المحدودة بشكل جائر دون احتساب أن عمر هذا الكوكب الجميل مليارات السنين وربما يستمر مليارات أخرى لكننا لا نأخذ هذا أبداً باعتبارنا وذلك من خلال نمط وكيفية استهلاكنا لموارده وتدميرنا توازنه البيئي، مقلدين في كل ذلك المجتمعات الغربية وخاصة النمط الاستهلاكي الأمريكي الفج الذي لا يحسب سوى لمراكمة ربحه المادي الآني دون أدنى ضمير ودون احتساب للمخاطر التي سوف تتعرض لها الأجيال القادمة، أليس هذا هو القبح بعينه بدل أن نكون شهود الحق كما أمرنا الله في كتابه وجعلنا خلفائه في الأرض وسخرها لنا لإعمارها لا لتدميرها، فقد رأى المفكر الفرنسي الشهير (روجيه غارودي) في هذا العصر (عصر اللعنة مشخصاً في إنسان يتعالى بالفكر عن الطبيعة وبالعقل عن الجسد وبإرادة القوة عن الله والإنسان، ما تمثّل من تسخير الثقافة والمذهب العقلي لإدارة الربح والسيطرة التي تميز الرأسمالية الناشئة والاستعمار اللذين هدما حضارات أسما من حضارة الغرب، إذا قيست الحضارة بوعي العلاقات التي تربط الإنسان بالطبيعة والمجتمع والله، إن اعتقاد الغربي بأن الطبيعة ملكه وأنه سيدها جعله لا يرى في الأرض إلا احتياطاً للمواد الأولية ومستودعاً لفضلاته الصناعية يتلاعب بها بلا رادع بواسطة تقانات منحته سلطة تدمير الأرض ومن عليها).