Culture Magazine Monday  07/04/2008 G Issue 242
نصوص
الأثنين 1 ,ربيع الاول 1429   العدد  242
 
قصة قصيرة
كرسي الحلاق
خالد المرضي الغامدي

 

 

على كرسي الحلاق أهمل جسده مسترخياً مستسلماً، في المرآة التي أمامه، اختلس نظرة على زبون خلفه وأخرى على وجه الحلاق.

على باب الحلاق كانت ستارة من خرز لمنع تطفل الذباب المتوالد بكثرة، تسللت إحداها فأخذت تذرع فضاء الصالون، وعندما تقع على أنفه يحرك رأسه بينما تختبئ يداه تحت الكيس البلاستيكي. التفت إليه الحلاق بعد أن رتب المكان أمامه:

- شعر أو ذقن؟

- أحدهما أو كلاهما على ألا تزيد عن عشرة ريالات.

ابتسم ناظراً إليه عبر المرآة.

كان الحلاق قد وجد مدخلاً فبدأ يتحدث عن سعر كيلو التفاح الذي قفز إلى تسعة ريالات، علبة الحليب التي جاوزت السبعين واللحم الذي لم يعد قادراً على شرائه. ثم استرسل في الحديث بينما الزبون الجالس يقلب صفحات جرائد ومجلات بالية.

في استرخائه... كانت تدور في رأسه أفكار ينهرها حتى لا تنفلت فتعبث بفضاء المكان. زجر نفسه أكثر من مرة ثم انتفض في مكانه وعدل من جلسته. بحركة سريعة مرر لسانه على شفته السفلى. اختلس نظرتين سريعتين. كان الحلاق لا يزال ينشر اشمئزازه في المكان بينما الآخر يتثاءب مقلباً الصفحات. من جديد قمع بوحه وأشنف أذنيه.

انتقل الحلاق إلى الجانب الآخر من وجهه، أشعل سيجارة، سحب نفساً عميقاً ثم نفثه طويلاً مالئاً وجه المرآة. وضع سيجارته ثم قال بينما يجهز رغوته:

- حشرت زوجتي في جيبي ورقة من ثلاثة عشر عنصراً. حشرتها في قلبي وفي...

الزبون الجالس أسقط مجلة من يده ضاحكاً ناظراً إليه عبر المرآة. هزته طريقة الحلاق الساخرة التي أتبعها بقهقهة باهتة.

مرة أخرى انتفض في مكانة على الكرسي، يبدو أن صراعاً يدور بينه وبين أفكاره فيقمعها من جديد.

لاحظ الحلاق قلقه وتوتره، أرخى له الكرسي إلى الخلف قليلاً حتى غابت عنه صورة الزبون الجالس.

- أريح هكذا.. قالها الحلاق ناظراً إليه.

لم يحرك شفتيه حتى لا يسمح للسانه بالتعود على البوح بما قمع. على صفحة المرآة لاحظ ذبابة تحط ساكنة، كأنما تتربص به، تنتظر انفلات حكي مسجون خلف قضبان أسنانه.. تأملها، قال دون أن يحرك شفتيه:

- لولا هذا الكيس الذي يكبلني لصفعتك وألصقتك.. ثم أبقيك معلقة هاهنا فلست سوى جاسوسة خبيثة، هل تعتقدين أنني مغفل لأهديك حماقة ساكنة جوفي؟

- نعم...... قالها الحلاق ناظراً إليه.

رشق الحلاق بنظرة عدائية مقطباً حاجبيه ثم عاد يشد على أسنانه ويصارع ثورة في داخله.

- ترى هل قرأ هذا الأحمق أفكاري؟

مرت فترة صمت غير قصيرة كسرها صوت رشات من قارورة (كولونيا) سقط رذاذها على أنحاء وجهه فكأنما بعثته من رقاد. لم يعد يشد على أسنانه، بل كان جوفه خاوياً ويشعر براحة كبيرة جداً تسري في كل أنحاء جسده.

- نعيماً.

- .....

عندما نظر إلى المرآة سقط في يده.... لم يكن هناك أي ذبابة!

انتصب قائماً عجلاً، وعندما نظر إلى الزبون الجالس لم يجد سوى طاولة تتناثر فوقها مجلات وصحف بالية!!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة