ليس هذا شعاراً تحمله هذه المقالة، أو تبشّر به، ولكنّه فاتحة للكلام على الغناء باللغة العربيّة الفصيحة. ففي مقابلة أجريت مع المغنّي اللبنانيّ (العربيّ) يوري مرقّدي، سألته المذيعة عن غنائه باللغة العربيّة الفصيحة، وكيف تسنّى له ذلك، ومن أين جاءته القدرة عليه، وأين تعلّم العربيّة الفصيحة، فأجاب: إنه يتكلّمها بالسليقة. وأنا أشكر له حرصه على الغناء بهذه اللغة، ولكنّني أرجو ألاّ أصدم السيد مرقدي، حين أخبره بأنّ اللغة التي يغنّي بها ليست فصيحة، وإنّما هي مليئة بالأخطاء. يغنّي يوري بما يحسب أنّه العربية الفصيحة، مما يثير مشكلة زيف اللغة، وهي تفضي بدورها إلى نتيجة أصعب، وهي عدم صوابيّة الهويّة المتعلّقة باللغة، لدى المستمع والمتكلّم.
نعم، إنّ الجهل باللغة يوصل إلى صورة زائفة من الثقافة. فقد يظنّ البعض أنّ اللغة تصبح فصيحة حين يقعّرون الكلام، ويضعون علامات إعراب، حتّى لو كانت خاطئة. فليس مهمّا، فيما يظنّون، أن يقول المطرب: أنا زيدٌ، أو أنا زيدٍ، أو أنا زيدًا، والمهمّ هو ظهور حركة على حرف الدال.
وحقيقة الأمر أنّ المشكلة ليست في يوري صاحب أغنية (عربيٌّ أنا)، وليست مقصورة عليه، وهو ليس تمثُّلَها الوحيد، وإنّما نجد من يفتخرون بلغة أغانيهم، ويعلن الجميع سرورهم، لأنّ هنالك فنّانين جادّين يغنّون بالفصيحة، وحين نسمع الأغنية نجد فيها أخطاء، على الرغم من الجمال المفرط في الأداء، وفي عبقريّة الكلمات، وفي الفيديو كليب، وفي اللحن، والتوزيع، وليس بعيداً عن ذلك الفنّان كاظم الساهر، الذي لا تكاد أغنية من أغانيه التي غنّاها بالفصيحة تخلو من أخطاء.
نجد منتج الأغنية يدفع مالاً وفيراً للمطرب، والملحّن، والموزّع، وفريق الراقصات، أو الممثّلة التي تشارك في الفيديو كليب، ولا يعمد إلى محرّر editor ليصحّح كلمات القصيدة - الأغنية. لقد كتبها الشاعر صحيحة، أما الملحّن والمطرب فقرأاها خطأ، وظلّت توجع أُذنَ من يسمعونها، وستظلّ إلى الأبد. أو أنّ القاعدة الذهبيّة التي تقول: (ليس على المطرب أن يُعرِب) ظلّتْ مقنعة، حتى لمن يحملون لواء الغناء بالفصيحة!
إنّنا نشاهد الأفلام، والمسلسلات والأغاني الأجنبيّة، ونجد لها دائماً محرّرين، حتّى حين تكون لغتها عامّيّة colloquial، ويدفع المنتجون بالضرورة لهم مالاً، فلماذا لا نجد محرّرين لأغانينا العربيّة؟ ولماذا يغنّي المطربون باللغة الفصيحة، إذا لم تكن الأخطاء مشكلةً، وإذا كانت الصحّة اللغويّة غير مهمّة؟ أحسب أنّ ثمّة تعارضا بيّنًا بين الرغبة في الإعلاء من شأن الأغنيات المغنّاة بالفصيحة، واحترام تلك اللغة من جهة، وبين ألاّ نهتمّ بالصواب والخطأ فيها.
فليكن هذا المقال تحيّة لكلّ مطرب أراد أن يحترم اللغة الفصيحة، ودعوة لكلّ منتجٍ ليتوخّى إتمام الرسالة الفنّيّة، بتتميم الشكل الفنّيّ للأعمال التي ينتجها، ومن ذلك اللغة، وبخاصّة حين تكون فصيحةً. إنّنا لا نريد أن نثني أحداً عن خيرٍ أرادَه، ولكنّ الحقّ أَولى بأنْ يُتَّبع.
*****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتبة«7446» ثم أرسلها إلى الكود 82244