لم تكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول-2001) قد زادت من كراهية الأمريكيين للعرب، بقدر ما كانت ذريعة استعمار جديد، بل إن ثقافة الكراهية من خلال الصورة البشعة التي تبثها وسائل الإعلام لشعب يؤمن كل الإيمان بالدعاية، وينجرف خلف الصورة التي تحرك مفردات اللغة الموجهة للجماهير العريضة، جعلت المسلمين يناصبون هذه الدولة العداء، وفي هذا الصدد يقول شاهين: (إن هدف الكتاب هو أن يشرح في الواقع أنه عندما تشوه شعباً فإن رجالاً ونساء وأطفالاً أبرياء يعانون، وإن التاريخ علمنا ولا يزال يعلمنا هذا الدرس...، وعندما ننظر إلى تشويه المسلمين العرب فإن ذلك يجعل كراهيتهم وقتلهم أسهل كثيراً...) (29)، وقد تعمد المنتجون لهذه الأفلام الروائية الطويلة- بصفة عامة- توجيهها وجهة خاصة مدروسة نفسياً واقتصادياً لتؤثر تأثيراً مباشراً في المتلقي من الطبقات العامة، وأكثرهم لا يعرف أكثر من حدود ولايته التي يعيش فيها، يقول أحد الباحثين الذين عايشوا تلك الحياة عن قرب: (يقول أحد البروتوكولات: (يجب أن نسيطر على الإعلام والذهب ولا يمكن السيطرة على الأول إلا بالسيطرة على الثاني) وقد تحقق هذا دون شك فالدعاية الضخمة التي تملأ برامج التلفزيون الأمريكي والتي لا تزيد فيه نسبة البرامج على خمسة وأربعين في المائة والباقي للدعاية، وتُستغل الدعاية والبرامج أسوأ استغلال لتوجيه الشعب الأمريكي وجهة فكرية خاصة....) (30) وقد تنبه المنتجون والمخرجون لهذه الأفكار، واستغلوا طبقات الشباب والنساء لسرعة استجابتهم للحدث المرئي، من جهة، ولأن الحادثة المكتوبة لا تؤثر مثلما تؤثر الحادثة المرئية، فالقراءة تقوم على التخيل الذي يحدث كنتيجة للقراءة نفسها، وقد لا يكون كافياً ولا جماهيرياً، من جهة أخرى وفي هذا الصدد يقول محمد علي قدس: (الحادثة حين تكتب لا يكون تأثيرها عميقاً.. ولا يترسخ في الذاكرة إلا حين يمثل كصورة واقعية محسوسة ومعاشة) (31)، ومن هذا المنطلق يحذر الباحث الأمريكي (دافيد ماك (David Mack) من معهد الشرق الأوسط، في واشنطن المخرجين والمنتجين الجادين من كتاب شاهين، فهو مخيف لأن الأفلام والتلفزة يشكلان الرأي العام الأمريكي، وعليهم (المخرجين والمنتجين) أن يقرؤوا هذا الكتاب ويحفظوه عن ظهر قلب (32)، وإذا كانت التلفزة الأمريكية وبعض الأوربية قد صورت العرب في صور نمطية مسيئة منذ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين، فإن هذه الصور ما تزال تكرر بنمطيتها، وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ووجهت انتباهها للعرب بعد أن كانت تشرك معهم السود والمرأة، ولكن بعد أن تعرضت لضغوط شديدة من منظمات حقوق الإنسان تراجعت عن هذه الفئات بعض الشيء وأبقت على العرب الذين لم يدافعوا عن حقوقهم عن طريق منظمات مماثلة، من جهة، ومن جهة أخرى ضعف الإعلام العربي وتبعيته، بل إن بعض القنوات صورة مصغرة للإعلام الأمريكي، وبعض الكتاب يقلدون ما يقوله ذلك الإعلام؛ يعزز ذلك الإعلام قوته ضد العرب المسلمين ببعض السياقات الخاطئة كنموذج لخطته المرسومة (33)، وباعترافنا بوجود هذه الممارسات إلا أنه ضخَّم منها وجعلها قضية قانونية، وهي تستحق أن تكون في بعض الأحيان؛ وقبل الحادي عشر من سبتمبر2001، أنتجت إحدى الشركات فلماً بعنوان (قواعد الارتباط) سنة2000م، (شركة براماونت (Paramount) كصورة نمطية للعرب على أنهم أشرار متطرفون بشدة ضد الأمريكيين، وما تزال الصورة نفسها تتكرر في كل وسائل الإعلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية، إضافة إلى الصور الكاريكاتورية، فالتوحش هو الصورة الرئيسة في عملية التشويه، وهو القضية التي تنتج كل أفعال الكراهية، تلك الصورة التي رسمها الرحالة الأوائل، كقضية متاجرة العرب في الرقيق الأسود، وإنقاذ هذه الفئات من همجية العرب، ولن يتم الإنقاذ إلا من قبل رجل أبيض قادم من وراء البحار، وكأن العالم نسي الأفلام التي سلبت الإنسان حقه واستعبدته منذ القدم، وجاءت القارة الجديدة لتملأ السفن من هذه النوعية من البشر (السود)، مثل فلم (ميلاد أمة) الذي عرض في عام 1915، وفلم (الجذور) الذي عرض في عام 1977م؛ ومهما حاول السينمائيون والمنتجون تبرير ما يقومون به ضد البشرية بصفة عامة، والعرب بصفة خاصة، فإن طرقهم قد أصبحت مكشوفة للعالم حسب تعبير بعض الباحثين في هذه المجالات (34)، وعندما نعود إلى ما أنتجته السينما الأمريكية عن العرب، والأعذار التي يتذرع بها بعض المتحدثين، على أن ذلك رد فعل على هجمات الحادي عشر من سبتمبر- أيلول، نجد أن فلم قواعد الارتباط الذي أوردناه- هنا- كشاهد عصر على الحدث، قد أنتج قبل هذه الهجمات، وأن العداء تحول بصورة كلية من تمثيل السود والنساء في هوليود، بعد ظهور منظمات تدافع عن حقوقهم ضد هذا الإنتاج ، إلى العرب، خاصة بعد زوال العدو التقليدي (الاتحاد السوفيتي)، والسبب يعود إلى عدم وجود منظمات عربية تدافع عن حقوق العرب، مثلما هي المنظمات التي ذكرتها قبل قليل، بل أن بعض الكتاب العرب شارك في هذه الحملة ضد العرب، كما ذكرنا من قبل؛ وهذه مفردات لم تعد تؤثر في الرأي العام، كما كانت في الستينات والخمسينات، فاليوم عصر القرية الصغيرة، والعرب تقول: يعرف ابن القريَّة (تصغير قرية) أخيه، بمعنى أن أهل القرية يعرفون بعضهم جيداً، بعكس أهل المدينة.
*****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتبة«5703» ثم أرسلها إلى الكود 82244