عبدالرحمن مجيد الربيعي
تسنّى لي أخيراً المشاركة في اللقاء السنوي الثالث الذي يقام في المطوية تكريماً للأديب الرائد محمد العروسي المطوي، وهي المرة الأولى التي أدعى فيها لهذه الندوة.
ورغم طول الرحلة وما فيها من إرهاق إلا أن كل المتاعب تتلاشى عندما نحس أننا ذاهبون إلى المطوية التي أنجبت هذا الرمز الثقافي التونسي الذي امتد حضوره إلى البلدان العربية كلها، وإلى العديد من بلدان العالم في سنوات حيوية: اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا قبل انهيار الاتحاد السوفيتي.
كنا مجموعة من الأدباء الذين عرفوا المطوي عن قرب، وبعضنا كانت ولادته الابداعية على يديه، أذكر هنا سمير العيادي ابن المطوية وابن العروسي المطوي ابداعياً وهو الذي نسق لهذه الندوة، ولاحق المدعوين في كل المراحل التي سبقت انعقادها.
حضر الشاعران: عبدالله مالك القاسمي، وسويلمي بوجمعة، وحضر الروائي والباحث رضوان الكوني أحد الأعضاء المؤسسين لنادي القصة، وحضر الصحفي والكاتب محمد رن رجب والباحث الجامعي والناقد د. فوزي الزمرلي، والباحث د. يوسف بن رمضان ان المطوية أيضاً.
كما حضرت من المغرب القاصة ربيعة ريحان التي تعرفت على شخص العروسي المطوي في بيروت عام 1994 بعد أن عرفته ابداعياً قبل هذا بسنوات.
وفي المطوية التحق بالقادمين أدباء آخرون منهم د. محمد الباردي (الناقد والروائي) وإبراهيم الدرغوتي (الروائي ونائب رئيس اتحاد الكتاب التونسيين) والقاصة والروائية آمال مختار وقريبة ورفيقة في نادي القصة القاص محمد يحيى. كنا جميعنا محبين للعروسي المطوي وفي الندوة تحدث عنه القاسمي وسويلمي وتحدثت عنه ربيعة ريحان في نص أنيق. وكنت قد أعددت شهادة عن المؤثرات التي تصنع النص السردي وتوفده وتثريه، ولكن المناسبة والمكان الذي سمي فضاء العورسي المطوي أبعداني عن تقديم هذه الشهادة، وأمسكت بالمصدح لأتحدث عن العروسي المطوي الراحل العزيز.
وأقول هنا:
عرفت العروسي المطوي اسماً عندما كان سفيراً لتونس ببغداد، وهو أول سفير لتونس المستقلة، وتشاء الصدف أن يشهد التحول الذي حصل في العراق وسقوط النظام الملكي ليحل بدلا عنه النظام الجمهوري.
وقد ولدت الابنة الثالثة للعروسي المطوي في العراق. أما ابنتاه الكبيرتان - وكانتا طفلتين وقتها - فقد ظهرتا مع عبدالكريم قاسم في صورة مشهورة يجري فيها التدليل على محبة زعيم الثورة للأطفال واهتمامه بهم. ولم يكن أحد يدري أن هاتين الطفلتين هما كريمتا سفير الجمهورية التونسة ببغداد آنذاك.
هذه الصورة ستوضع مع صور أخرى في متحف العروسي المطوي الملحق بالفضاء.
لم أكن أعرف في بداية الأمر أن المطوي قد رأى بعينيه هذا الفضاء بعد استكمال بنائه وتأثيثه ونقل مكتبته إليه، ولذا تمنيت لو أن بناءه أنجز في حياته ليطمئن أن كل شيء على ما يرام، وقد مضى كما أراد له، ولكن اطلاعي على الصور في المتحف أظهرت لي أنه قد افتتحه بنفسه، وكان هذا مدعاة فرح خفي لي. كما أنه وقد عرف أن نهايته تقترب قد اختار حتى المكان الذي سيدفن فيه في مقبرة المطوية التي لا تبعد إلا بضعة أمتار عن فضائه وبضعة أمتار عن بيته. وقد أبديت رغبتي في زيارة قبره وقراءة الفاتحة على روحه، وقد ذهبنا بسيارة ابنته الكبيرة احسان وزوجها، ومعنا شقيقتها التي ولدت في العراق والشاعر سويلمي بوجمعة. هناك في ذلك القبر البسيط المستوي مع الأرض يرقد العروسي المطوي مطمئناً بعد كل ذلك الرحيل في مدن الأرض والدخول في التجارب والعيش في الخضم.
عندما كان المطوي سفيراً ببغداد كنت طالباً في معهد الفنون الجميلة، وأظن - أقولها غير جازم - أنني شاهدته مع دبلوماسيين آخرين حضروا للمعهد لمشاهدة أحد المعارض الفنية الكبيرة، أقول هذا لأن دراسة الرسم جعلت ذاكرتي البصرية أقوى من غيرها.
لكنني سأتعرف على المطوي عام 1973 في نادي القصة حيث نظم النادي لقاء مع ثلاثة من الأدباء الذين حضروا أول مؤتمر يعقد في بلد عربي مغاربي لاتحاد الأدباء العرب، والأدباء الثلاثة هم شوقي بغدادي والطيب صالح وكاتب هذا الموضوع، وستعلق في النادي صورة تضم العروسي المطوي ومصطفى الفارسي والمدعوين الثلاثة، ويبدو أنها الصورة نفسها التي ستنقل الى متحف العروسي المطوي حيث شاهدتها معلقة هناك.
أذكر أن الشيخ العروسي المطوي قد سألني إن كنت راغباً في البقاء أسبوعاً آخر بتونس لأتعرف على الأدباء أكثر لاسيما وأنني كنت معيناً بنشر النصوص التونسية في مجلة (الأقلام) التي أشرفت على تحريرها بين من اشرف من أدباء العراق المعروفين، فابديت رغبتي بالبقاء فما كان منه إلا أن اتصل بالأستاذ أبو القاسم كرد الذي كان مسؤولاً في اللجنة الثقافية الوطنية من أجل هذا، وقد رحب الأستاذ كرو بالفكرة، وتلك الزيارة ستجعل علاقتي أمتن وأقوى بجيل من الأدباء معظهم من أعضاء نادي القصة، هذا النادي الذي كنت أراه أكثر تفتحاً من نادي القصة في القاهرة بحكم العلاقة المباشرة لأعضائه بتيارات الحداثة في القصة العالمية، وهذا لا ينتقص من القيمة الريادية أيضاً لنادي القصة في القاهرة.
منذ ذلك التاريخ صرت قريباً من العروسي المطوي وصار قريباً مني، وأذكر أن في إحدى الجلسات التي ينظمها اتحاد الكتاب التونسيين عندما كان رئيساً له قد أعلن عن منح العضوية الشرفية لاتحاد الكتاب للصديق الروائي الفلسطيني يحي بخلف ولي، وهي بادرة محبة كانت مثار شكرنا واعتزازنا.
كما أذكر أننا كنا نحضر إحدى ندوات الرواية العربية التي ينظمها صديقنا د. محمد الباردي في قابس، وكان الشيخ العروسي حاضراً معنا، وبعد انتهاء أشغال الندوة قال لي: إن كنت تود العودة لتونس معي بسيارتي عليك أن تكون جاهزاً للسفر في السادسة صباحاً، فعلت وقال لي: سنسير في الطريق نفسه الذي سلكه بنو هلال في زحفهم. ليتني أتذكر شيئاً من شرحه الطويل لهذا الزحف وما وقع فيه، وكان يتحدث وكأنه أحد فرسانهم وبدلا من السيارة كان يركب جواده الأثير.. رحم الله العروسي المطوي فما زال يجمعنا حتى وهو في رحاب السماء.
- ولد العروسي المطوي عام 1920 وتوفى عام 2005م.
- عمل دبلوماسياً في مصر والمملكة العربية السعودية والعراق.
- أسس نادي القصة ومجلة قصص وترأس اتحاد كتاب تونس منذ عام 1981م ثم اتحاد الأدباء والكتاب العرب.
- كتب القصة والرواية والسيرة الذاتية وتحقيق التراث.
*****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7902» ثم أرسلها إلى الكود 82244