في (المضاف إلى نفسه) يظهر زياد السالم برمًا بكل القيود وما يمثل النسب، والعرق، والعادات، والزمان، والمكان، حتى أطر الجسد. ضاق زياد بالجسد وبإمكاناته المحدودة حتى لقد تمنى أمنيات تحرره من كل ماله علاقة بالنظام وبالثابت والمقولب؛ وقد وصل به الحال أن راح يحسد الحيوان؛ يقول في نص (المضاف إلى نفسه):
(أيكم قادر على الركض ها هنا دون أن يمس تعاليم الأسلاف حيث الإنسان تابع للفكرة حتى وإن عطلت روح الحاسة... طوبى للحيوان خالدًا غير متورط بإكراهات الحياة. إنه المغامر ذو الروح أبدًا يجترح الجسارات، ويمرح في الأرض لا غلبة إلا له، هو ظل اللحظة وقرين المياه. خالد بلا اسم، إذ إن الخالدين ليس لهم أسماء). (المضاف إلى نفسه، دار أزمنة ط. أولى 2008) ص 24-25).
هذا التبرم من القيود ورموزها أيضًا هو صورة لضيق الفنان مما يكبله ويحد من حريته. وطبعًا فيما يتعلق بصناعة النص أدبيًا ثمة قيد يقيد الفنان ويكبله أحيانًا دون أن يدري وهو الذاكرة والإرث الفني في الحقل والنوع الذي ينتمي إليه الفنان، وهو يحيل إلى ما يتحدى الإبداع مشدودًا إلى وهم التجاوز وإلغاء الذاكرة وقتل الأسلاف. إن قلق التأثر كما سماه الناقد (هارولد بلوم) هو المحرك من وراء هذا, ولكن من جهته المضادة: جهة الإنكار. فهذا القلق المتعلق بالحرية وبوهم التجاوز يمكن أن يفسر أنه مرحلة أولية؛ فمرحلة احتشاد الغيوم ودوران الحياة وفورانها تمثل مرحلة تهيئة، وهكذا يبدو زياد في نصوصه التي توحي لقارئها بهذا التهيؤ بما فيها من توتر ورفض وما فيها من تساؤل مشغولاً بمحاولة تفتيت وتجميع للمتشظي والدوران مرات ومرات حول صخرة في هذا الغيم علّها تتشكل.
هكذا يمكن أن تفسر نصوص زياد بأنها تصوير لعمل الفنان في محترفه قبل أن يتخلق الشكل النهائي لعمله: إنها فوضاه وأحلامه واجتهاده وتعبه. نعم، في أماكن معينة من كل نص من نصوص زياد تشعر بتعب اللغة وإرهاق الفكرة التي دارت دورات عدة تحت ضربات من هنا وهناك إلى أن استقرت في نتوء معين أو حفرة غائرة في تمثال اللغة الصخري. ومن هذه الجهة تحديدًا ذكرني زياد بمآلٍ مشابه سلكه الشاعر(علي بافقيه)، وإن من مدخل مغاير. وقد كنت عملت دراسة عن محاولة علي بافقيه سميتها (دوزنة الحصى والنقر على حجر) وهي قراءة في ديوانه جلال الأشجار، وقد نشرت ضمن كتابي الصادر عن نادي الرياض الأدبي) بينت فيها المسلك القائم على طرق المعتاد الصخري من اللغة الشعرية المستهلكة حتى تستجيب أحجارها، حينها قد يكشف نتوء ما فيها أو تجويف عن اللقى الثمينة القارة في تضاعيفها، هذا النحت في الصخر عند بافقيه، والنحت في فوضى الدخان وضباب الموروث وقشور اليومي عند زياد في نظري يؤديان إلى المآل نفسه: وقوف على تخوم الشكل وتصوير للجهد والتعب المرافق للنحت والتشكيل.
*****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7845» ثم أرسلها إلى الكود 82244
Rafef_fa@maktoob.com
- الرياض