سهام القحطاني
من وجهة نظري أعتقد أنها غير مستطِيعة، وقد تكون وجهة نظري غير صحيحة، ومسألة الاستطاعة لا ترتبط بنوع الجنس رجلا أو امرأة، بل هي مرتبطة بالكفاءة والكفاية الفنيتين إضافة إلى توفر نضوج التجربة الحياتية ونوع وقيمة محتوى تلك التجربة وأثرها على صاحب السيرة ومجتمعه، وطبيعة الشخصية ذاتها وأدوارها الاجتماعية، ونوع منجزها، فنحن لا نكتب عن أنفسنا إلا إذا آمنا بها، إذا أغرمنا بإنجازها، فالكتابة عن سيرنا الذاتية هي تنفيس لنرجسيتنا، تلك النرجسية التي تنبع من إحساسنا بقيمتنا كمنجز وأثر.
تلكم ليست ضوابط لِما ينبغي أن يتحول إلى سيرة، بل دليل لرسم خارطة ذهنية لهذا النوع من الكتابة الذي يختص بمكون معقد مثل الأنا.
أن علاقتنا بأنواتنا هي علاقة شائكة ولعله أمر يعود إلى تعقّد الروابط التي تتكون من خلالها الأنا، فألانا مكون جمعي لا مفرد له، ووفقا لذلك فالرؤية التي تمثلها وتتمثّلها هي رؤية ارتدادية لمجموع الوسائط الانفعالية التي تتعرض لها، بما فيها تحولها إلى أنموذج، كما أنها تتمثل وتُمثل رؤية افتراضية للبديل الارتدادي المفروض عليها، وبذلك فالأنا تمارس تنفيذ الرؤيتين أثناء كتابة سيرتها، الرؤية الارتدادية كنوع من محاكمة المجموع والهروب المقصود من تحمل جزء من مسئولية ناتج الارتداد، أو إثبات حقها في التميز مقابل النموذج الارتدادي، والرؤية الافتراضية لإرضاء النموذج المتعالي الذي عجزت عن انجازه، وهو ما يحقق لها نوعا من التوازن، والاحتيال على الوثيقة الرئيسة، وتُقدم لنا هاتان الرؤيتان عبر المنتج الوصفي، وقد تُقدم الأنا عبر منظورات أُخر كالأنا البديلة والمستنسخة والمقلِدة، عبر ممارستها لتقنية الإسقاطات، وهذا يعني أن الأنا التي تُقدم إلينا عبر مكتوب السيرة هي أنا (منتَجة) عبر الدوافع والحدث والمكان والزمان واللغة.
بمعنى أنها جزء من الحقيقة وليست الحقيقة كاملة، فاللغة تمارس انزياح وتغطية لبعض منها، وهو يعني أن مكتوب السيرة لا يخلو من الاحتيال لمصلحة الأنا.
إن إيماننا بأنفسنا هو الذي يدفعنا إلى تخليد ذكراها وذكرياتها وإشهار مواقفها وأدوارها وتحدياتها وإنجازاتها، ذلكم هو الدافع الذي يكمن وراء تسجيل سيرنا الذاتية، فهل تملك المثقفة السعودية هذا الدافع؟.
أعتقد أنها لا تملك ذلك الدافع، وهو اعتقاد تستطيع أن تستنتجه من خلال قراءات إنتاج أغلب المثقفات لدينا، ذلك الإنتاج الطافح بنغمة الشكوى والإحساس بالظلم والاضطهاد وتشتت الذات وفقدان الإيمان بقيمتها، إن أغلب المثقفات السعوديات اللائي يكتبن النص الإبداعي، يعانين من عقدة الخوف والنقص والدونية وفق ما يعرضه نصهن المكتوب، ومكتوب السيرة يحتاج إلى أنا كاملة لتملأه،، الأنا التي تجمع بين القوة والضعف النجاح والفشل الأخذ والعطاء التأثر والتأثير، (أن) تنمو وفق علاقات تبادلية تحقق لها توازن زوايا الرؤى المختلفة، (أنا) تؤمن بقيمتها وقيمة منجزها وأثرها، (أنا) قادرة على إنتاج موقف ودور.
يجب أن تحب المثقفة السعودية أناتها أولا، أن تغرم بها أن تتغزل بقيمتها وأثرها لتستطيع أن تكون فخورة بها لتعلن عنها من خلال مكتوب السيرة، كونه مكتوب قائم على الإشهار.
كما أن على المثقفة السعودية أن تتصالح مع الرجل، فأزمتها المختلقة مع الرجل تظل عائقا لتطور نصها الإبداعي كمستوى أول، وعائقا لكتابة سيرتها كمستوى ثان، لأنها لو استطاعت أن تنحي علاقتها بالرجل سواء التقابلية أو التضادية أو التماثلية في النص الإبداعي، فهي لا تستطيع أن تفعل ذلك في مكتوبها السيريّ؛ لأنه نص لمجموعات علاقات مكاشفة توثيقية الرجل جزء رئيس منها في أدواره المختلفة وآثاره المتعددة ومواقفه المؤثرة.
كما أن مكتوب السيرة يحتاج إلى محتوى بمواصفات خاصة، أو أظن ذلك.
ذكرت سابقا أن السيرة تنفيس عن نرجسيتنا تلك النرجسية التي تنبع من إحساسنا بقيمتنا كمنجز وأثر.
فهل تملك المثقفة السعودية تلك النرجسية الصادرة عن قيمة منجزها وأثره؟
أعتقد أنها لا تملك، لأنها حتى الآن لم تؤسس أو تشارك أو تقود أي حركات ثورية أو تمردية أو تحريرية أنتجت تغيرا وتغييرا في مجتمعها، وليس لها أي مواقف أو وأدوار مؤثرة في صناعة القرار الاجتماعي والثقافي والسياسي أو تعديله أو حذفه.
لأن أهمية الدور وقيمة المنجز هما اللذان يدفعان المثقف إلى تسجيل مكتوبه السيري، ولذلك قلت) لا نكتب عن أنفسنا إلا إذا آمنا بها).
فما زال النص الإبداعي للمرأة هو مضمون ارتدادي سلبي تتسول من خلاله وتستعطف وتشتم وتشكوى وتثرثر، وقد يندهش البعض لربطي بين النص الإبداعي للمثقفة ومكتوبها السيريّ، لأني مؤمنة بأن تخلص المثقفة لدينا من عقدها التي تبثها من خلال نصها الإبداعي والسعي إلى تأكيد ذاتها وقيمتها ودورها من خلال نصها الإبداعي، سيدفعها إلى تسجيل مكتوبها السيريّ، والإشهار عن ذاتها المتكاملة.
أما السبب الثالث الذي يعيق المثقفة من تسجيل مكتوبها السيريّ فهي اللغة، أقصد وظائف اللغة، عندما تقرأ النص الإبداعي للمثقفة السعودية ستلاحظ أن هناك علاقة خاصة بين اللغة والكاتبة، فهي تحتمي بها وتنوب عنها، وتنعكس الأدوار في المكتوب السيري، ولذا فهي لا تستطيع أن تتحمل مسئولية تبادل الأدوار، لأنه يرفع عنها حصانة الحماية فتجد مكتوبها عاريا، إن وظيفة الستر معيار مزدوج في اللغة مرتهن بطبيعة الحدث الممثل له وبنوع الإسقاط المعبأ به، وكذلك وظيفة التعري، فهناك لفظ يعري ولفظ يستر، هاتان الوظيفتان للفظ هما مآزق اللغة الأدبية عند المثقفة السعودية، ليس لأنهما يكثفان خاصية التمحور حول الذات فقط، بل لأنهما يغلقان النص، إغلاق يشبه الحياة المحافظة للمرأة، وبذا فطبيعة تكوين العقل الجمعي للمرأة ينعكس على نصها الإبداعي.
كما أن المثقفة السعودية اعتادت على استخدام اللغة بطريقة عرضية، وهو ما يفسر لنا اعتمادها على الأسلوب الوصفي في نصها، والأسلوب الوصفي عادة هو أسلوب يدعم الرؤية الأحادية رغم تفرعاته الناتجة عن تفكيك اللحظة المتأملة، والتي تسعى المثقفة إلى التركيز عليه لإخفاء ضعفها ونواقصها في التقنيات السردية، وعدم قدرتها على رسم خارطة لمضمونها، مما يعني أنها تعاني من عدم القدرة على تكوين علاقات متجانسة عبر نصها وهو العمود الفقري للمكتوب السيري، لأن المكتوب السيري عبارة تجميع للعلاقات وتحليلها وتقويمها في ضوء ارتباطاتها المتبادلة سواء بالضد أو التماثل، كما أنه أسلوب يتيح لها مساحة أكبر للثرثرة، وهو أسلوب لا يقبل بالشراكة مع أسلوب آخر، أستطيع أن أقول أن المثقفة لدينا تعودت على هذا الأسلوب بل لا تعرف سواه، وهو ما قد يمثل لها مأزق في تسجيل مكتوبها السيريّ، الذي يعتمد على سرد العلاقات في تجانس بصرف النظر عن محتويات تلك العلاقات، وهو ما يلزم تلون الأساليب وتعدد وظائف اللغة، فهناك اختلاف بين لغة النص الإبداعي، ولغة المكتوب السيري.
كما أن ممارسة تسجيل المكتوب السيري يحتاج إلى قدر كبير من موضوعية الرؤية بما تتضمن من تقييم معياري للآخر ومنجزه، وإفساح التجربة الخاصة للشراكة مع المجتمع كعلاقة تأثر وتأثير متبادلة، وكون النص الإبداعي للمرأة ما يزال نصا انفعاليا فهذا يعوقها من توفر أهم خصائص المكتوب السيريّ تقييم العقل الجمعي بموضوعية.
لاشك أن الفرصة ما تزال أمام الكاتبة السعودية لتصحيح نصها الإبداعي ليرهص لها مرحلة تسجيل مكتوبها السيري، والذي يحتاج تنفيذه إلى كثير من الجرأة والشجاعة والموضوعية والصراحة والإيمان بالذات والمساهمة بمواقف وأدوار تؤثر في صناعة القرار الاجتماعي، لإشهار تجربتها، وقليل من الفنيات اللغوية.
كما أعتقد أن لدينا في المجتمع نساء هن أقدر على تسجيل مكتوبهن السيري من المبدعات السعوديات وهن سيدات الأعمال والتربية والتعليم والناقدات، والسبب في هذا الاعتقاد، لأنهن غير واقعات تحت تأثير سلبيات النص الأدبي وحيله.
*****
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333»ثم أرسلها إلى الكود 82244