قال محمد العدناني في (معجم الأخطاء الشائعة) (ويقولون: هذا الأمر مُناطٌ بفلان. والصواب: هذا الأمر منُوط بفلان، أي معلق به، أو: له صلة به؛ لأن الفعل هو: ناطه به، أي: وصله، وليس أناطه به).
ويبدو أن هذا الاستعمال وإن شاع عند المحدثين فإنه ورد على قلة في أشعار ونصوص متقدمة، منها قول بشار:
وَالدُرُّ وَالياقوتُ يَحسُدْنَها مُناطَةً في الأَوضَحِ الأَجيَدِ
وذكر الشمشاطي في (الأنوار ومحاسن الأشعار) قول عليّ بن العباس:
مُحمّلةً زَادًا خَفيفًا مُنَاطَةً من البُنْدُقِ المَوزونِ قَلَّ وأَقْنعَا
وجاء في(الدرر الكامنة) لابن حجر العسقلاني: (وبقي آل سنان على حالهم وغالب الأمور الأحكامية مناطة بهم حتى الحبس والأعوان والسجلات).
وجاء في (سلافة العصر في محاسن الشعراء بكل مصر، 1: 67) قوله: (ما هو إلا تقاصير عقود نحور الخرد الكواعب أناط بها مولانا إبريزه وعقيانه).
وجاء في (عجائب الآثار،2: 397): (فإذا خوطب الباشا في شيء من ذلك يعتذر بأنه مشغول البال واهتمامه بالسفر وأنه أناط أمر الجهة القبلية وأحكامها وتعلقاتها بابنه إبراهيم باشا). وجاء في (فيض القدير، 5: 470): (والله سبحانه أناط القطع بالسرقة).
وفي (تحفة الأحوذي، 9: 23): (أَيْ خَرَجَ ? عَلَى أَصْحَابِهِ وَكَرَّرَهُ لِيُنِيطَ بِهِ غَيْرَ مَا أَنَاطَ بِهِ أَوَّلاً).
ولعل الذي جعلهم يستعملون (أناط) بمعنى (ناط) أنّ بعض الأفعال يستعمل منها (فعل) و(أفعل) بمعنى واحد، أورد ابن قتيبة في (أدب الكاتب ص 360) باب فعلت وأفعلت باتفاق معنى أمثلة كثيرة منها: (جد فلان في أمره وأجد، ويقال فلان جاد ومجد، لاق الدواة وألاقها.. مددت الدواة وأمددتها وأمددته بالرجال لا غير، خلف الله عليك بخير وأخلف، نهج الثوب وأنهج إذا بلى، سكت القوم وأسكتوا، وصمتوا وأصمتوا، خلق الثوب وأخلق، سمح الرجل وأسمح محَّ الكتاب وأمحَّ إذا درس، ينعت الثمرة وأينعت، نسل الوبر وأنسل إذا وقع).
وسبب مجيء معظم الأفعال المذكورة مجردها كمزيدها أن المزيد تعدى إلى مفعول ثم حذف المفعول، مثال ذلك (أسكتوا) أصله (أسكتوا أنفسهم) وحذف المفعول به وصار (أسكتوا) كالفعل المجرد اللازم (سكتوا).
فليس من بأس القول ناط الشيء وأناطه، ولكن من قال ناط الشيء وجب عليه أن يقول: منوط، ومن قال أناط الشيء وجب عليه أن يقول: مُناط. وهذا لا يعني أن الفعلين متفقان كل الاتفاق ذلك أن زيادة المبنى في المزيد يقتضي زيادة معنى، وعند التأمل نجد أن معنى (ناط الشيء) علقه، أما (أناط الشيء) فجعله منوطًا أي معلّقًا. جاء في معجم (لسان العرب): (والعرب تقول: حَكَمْتُ وأَحْكَمْتُ وحَكَّمْتُ بمعنى مَنَعْتُ ورددت).
(حول تصلية العصا)
قرأت ما تفضل بكتابته الأخ ظافر بن محمد المبطي وأشكره على مشاعره النبيلة، أما سؤاله عن تصلية العصا على النار لتستقيم، فهو أمر أخذته عن المعجمات اللغوية ولعل المقصود بالعصا تلك ما كان منها ندي لم يجس ويفقد ماءه، فحري به أن يلين فيكون مرنًا للاستقامة أو التشكل بأشكال أخرى ولا شك أن صناعة الكراسي والأثاث من الخيزران معتمد على استغلال طواعية العصا الندية وربما استعملوا النار لشيء من ذلك ومهما يكن من شيء فلست من يحق له بيان ذلك.
* الأستاذ في قسم اللغة العربية - كلية الآداب - جامعة الملك سعود - الرياض