وَمَا أَحَدٌ كَانَ المَنَايَا وَرَاءَهُ
وَلَوْ عَاشَ (أعواماً) طِوَالاً بِسَالِمِ
نعم، إنه الموت نهاية الإنسان في هذه الحياة مهما عاش فيها من أعوام، فلابد له أن يلحق بقوافل الراحلين بعدما انتهت مدة إقامته في هذه الدنيا.
كيف البقاء وباب الموت منفتحٌ
وليس يُغلق حتى ينفدُ البشرُ
وهذا كحال من ودعناه بالأمس القريب معالي الأستاذ عبدالعزيز بن عبدالله السالم (أبا عصام) الأمين العام لمجلس الوزراء الأسبق – والذي توفي يوم الأحد 8-5-1446هـ، وتمت الصلاة عليه بعد عصر يوم الاثنين 9-5-1446هـ في جامع الملك خالد بأم الحمام بالرياض، ثم حمل جثمانه الطاهر إلى مقبرة عرقة، حيث وُورِيَ الثرى هناك في أجواء حزن على فراقه.
وكانت ولادته في الدرعية عام 1351هـ من أسرة كريمة، حيث عاش طفولته بين أحضان والديه ومع أخوته، وقد ألحقه والده في إحدى مدارس الكتّاب لتحفيظ القرآن الكريم بالدرعية، وذلك لتعليم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ ما تيسر من سور القرآن الكريم، وكان والده - رحمه الله - يعمل في التجارة، ويقيم في تلك الفترة في الأحساء، فالتحق أبو عصام مع أخيه محمد بوالدهم هناك، وذلك لمواصلة التعليم في المدارس النظامية، فالتحق بالمدرسة الأميرية بالأحساء إلى أن نال الشهادة الابتدائية منها، بعد ذلك انتقل للدراسة في المعهد العلمي بمكة المكرمة، والذي كان النواة الأولى بعلاقته وحبه للشعر والأدب عموماً، وبعد نيله الشهادة الثانوية سافر إلى مصر ملتحقاً بكلية الآداب بجامعة القاهرة، حيث نال شهادة البكالوريوس هناك، ثم عاد إلى الوطن وعمل مدرساً فترة من الزمن، ثم تحول إلى العمل الإداري في وزارة المعارف، وقد تنقل بين عدد من المواقع المهمة، حيث عمل مستشاراً للملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله عندما كان وزيراً للمعارف - آنذاك - ثم انتقل معه لوزارة الداخلية ليكون مشرفاً على مكتبه الخاص. وقد انتدب لتأسيس مجلس الأمن الوطني عام 1390هـ.
وفي عام 1405هـ صدر المرسوم الملكي بتعيينه أميناً عاماً لمجلس الوزراء إلى عام 1426هـ، بعد ذلك عُيِّن مستشاراً بالديوان الملكي. فسيرة أبي عصام سيرة عطرة، حيث خدم وطنه بكل إخلاص وأمانة، وقد حظي بتقدير وتكريم من ولاة الأمر.
إضافة لعمله، فهو أديب وكاتب ومحب للشعر والأدب والثقافة، حيث نشر العديد من المقالات والبحوث والأوراق العلمية في قضايا الثقافة والتربية والمعرفة والإدارة، وله مشاركات في عدد من المؤتمرات والملتقيات.
وصدر له ثلاثة كتب هي كتاب «مأزق القيم» وكتاب «وقفات مع ذكريات الأستاذ عبدالله القرعاوي» وكتاب «ذكريات مما وعته الذاكرة».
وهو عضو مؤسس لعدد من المراكز العلمية والمجلات المحكمة والجمعيات الخيرية، وله مجلس أسبوعي بعد المغرب بمثابة الملتقى الأدبي، يجتمع فيه أصحاب الفكر والأدب والشعر، ولقد عُرف أبو عصام بحبّه للخير ومساعدة المحتاجين وبناء العديد من المساجد في الدرعية والرياض، وقد كان واصلاً لرحمه، حيث كان حريصاً على زيارتهم والتواصل معهم رغم مشاغله وارتباطه العملي.
قَضَيتَ حَياةً مِلؤُها البِرُّ وَالتُقى
فَأَنتَ بِأَجرِ المُتَّقينَ جَديرُ
ولقد امتدت علاقتي به لأعوام عديدة، حيث نلتقي به في العديد من المناسبات الأدبية، فقد كانت «خميسية» الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - ملتقى ثقافياً تجمعنا بمعاليه، ومع من حضر من عُشَّاق الأدب والثقافة، فنسعد بالحديث مع الفقيد «أبي عصام»، وكذلك التواصل بالهاتف بين الفترة والأخرى للسلام والاطمئنان على صحته.
وَما بَقِيَت مِنَ اللَذاتِ إِلا
مُحادَثَةُ الرِجالِ ذَوي العُقولِ
رحم الله «أبا عصام»، وألهم أخاه الأستاذ خالد وأبناءه وبناته وأسرته الكريمة ومحبيه الصبر والسلوان.
** **
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء