هادي بن شرجاب المحامض
ينتمي رجل الأعمال الراحل حسين بن دغمل آل هتيلة إلى واحدة من أعرق القبائل في منطقة نجران، التي حملت على عاتقها دورًا بارزًا في تعزيز نهضة المنطقة بمكانتها الاجتماعية والاقتصادية. شق حسين طريقه في عالم الأعمال بأسلوب عصامي مميز، متسلحًا بالمثابرة والتفاني، مع إيمان راسخ بقيم الانتماء لوطنه وأرضه. لم يكن نجاحه مجرد قصة صعود اقتصادي بل كان انعكاسًا عميقًا لروح الوفاء والالتزام بتطوير مدينته التي اعتبرها الأهم والأولى في كل خطوة من خطواته.
في حديث بإحدى الجلسات التي جمعتني به بمجلسه العامر كشف -رحمه الله- دوافعه العميقة للاستثمار في نجران موضحًا أنه رغم معرفته بأن عوائد استثماراته قد تكون أسرع وأكبر في مناطق أخرى، إلا أنه اختار أن يكرس جهوده وموارده لوطنه الأول نجران.
«رؤية أبناء نجران وهم يجنون ثمار مشاريعي هنا أهم من أي مكسب مادي»، بهذه العبارة أوجز حسين فلسفته في العمل والإنجاز. كان مؤمنًا أن التضحية من أجل رفعة المنطقة لا تُقاس بالأرقام، بل بما تحققه من استقرار ونهضة لمن حوله.
لم تكن إنجازات حسين بن دغمل مقتصرة على الاقتصاد، بل كان إنسانًا حاضرًا بقوة في العمل الاجتماعي والخيري. من خلال مشاركاته في مجلس إدارة الغرفة التجارية والصناعية واللجان المحلية، لم يتوقف عن خدمة أهل نجران ورفع جودة حياتهم.
أحد المواقف البارزة التي يرويها اللواء قناص آل سوار، حين لجأ إليه رجل مريض مثقل بالديون، فأبى حسين إلا أن يسدد عنه ديونه ويوفر له الأثاث اللازم لمنزله، بل تجاوز ذلك بتخصيص بطاقات غذائية شهرية لأسرته وتوفير تذاكر السفر لمواعيده العلاجية. هذا الموقف ليس استثناءً في حياته، بل صورة متكررة لكرمه وإنسانيته التي طالت الكثيرين.
على صعيد الفكر الاقتصادي، كان حسين بن دغمل محللًا من طراز رفيع.
أتذكر مكالمة هاتفية جمعَتني به منذ سنوات، حيث كنتُ قد طرحت رأيًا في مجال اقتصادي مستندًا إلى إحصائيات متاحة. لكنه، بأسلوبه البسيط والعميق، قدم لي تحليلًا شاملاً يعادل محاضرة متخصصة من أفضل الاقتصاديين في العالم.
على مدار ساعة كاملة، أشار حسين إلى الجوانب التي غابت عني، موضحًا أهم الركائز التي يجب أن تقوم عليها الدراسة. تلك المكالمة لم تكن مجرد نقاش، بل درس تعلمت منه ما يعادل شهورًا من البحث.
برحيل حسين بن دغمل آل هتيلة فقدت نجران شخصية فذة كانت تمثل نموذجًا للوفاء والمروءة. ترك وراءه إرثًا خالدًا من المشاريع، المبادرات، والقيم التي ستبقى مصدر إلهام لأبناء المنطقة. لم يكن مجرد رجل أعمال، بل رمز للإنسانية والنهضة التي تجمع بين حب الوطن والتفاني لخدمته.
إن مسيرته تستحق أن تُروى كحكاية خالدة عن العطاء اللامحدود والنجاح الذي ينبع من الإيمان العميق بالانتماء والمسؤولية.