الطائف - خاص بـ«الجزيرة»:
حذر متخصص في العلوم الشرعية من التهاون والتساهل في تناول أعراض الناس، والخوض فيها حيث إن من أعظم الحقوق الإسلامية، بل الضرورات البشرية: صيانة العرض، فحمايته، والدفاع عنه، والغيرة من دونه كحماية: الدين، والنفس، والمال، والعقل، والإضرار به، والجرأة عليه: من أعظم أسباب الفساد في الأرض، وهلاك المجتمعات، ولذلك عُني الإسلام عناية عظيمة بصيانة العرض، وحرّم كل ما يتوصل به إلى أعراض الناس، ورتب على ذلك العقوبات الشديدة، بل قد تصل العقوبة إلى أقصى درجاتها بقدر النيل من العرض كاتهام الشرف، وجعل عقوبته ما يعرف بـ: حدّ القذف، والتأديب بالجلد، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} (12) سورة الحجرات.
وأكد فضيلة الشيخ الدكتور بدر بن علي بن طامي العتيبي الداعية والباحث في السنة النبوية في حديثه لـ«الجزيرة»: أن الحكم على الناس بالظن، والتحسس والتماس العثرات، والكلام في الغَيبة من أكثر مسالك النيل من أعراض الناس، وكفى الواقعين في ذلك قبحاً أن شبّه حالهم بحال من يأكل لحم أخيه وهو ميت! فلئن كانت السباع آكلة جيف الحيوانات تعد من أقذر الحيوانات، وتأنف عنها عظام السباع كالأسود وأشباهها، فكيف بمن حاله كحال من يأكل جيفة بشر وهذا البشر هو أخوه؟! وهذا من أعظم التشبيه الزاجر عن الجرأة على الأعراض، والله العظيم بجلاله وسلطانه عظّم شأن انتهاك الأعراض عنده، فقال: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (15) سورة النــور.
وشدد د. بدر العتيبي على أن أعراض الناس عظيمة، كيفما كانوا، ومهما ظهر لنا من الظنون ما ظهر فلا يحكم بها على أعراض المسلمين الغافلين ما دام الأمر في سعة، كما قال تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} (12) سورة النور، والنبي صلى الله عليه وسلم في مشهد يوم عرفة العظيم، وبحضور المسلمين، وهو آخر العهد به، قال: «إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا»، وقال: «كل المسلم على المسلم حرام: ماله ودمه وعرضه» فلا يجوز لمسلم يرقب الله تعالى أن يتكلم في مسلم ولا مسلمة إلا بالخير، ولا يظن فيه إلا الظن الحسن، ولا يتجسس ولا يتحسس ويلتمس عورات المسلمين وعثراتهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته» رواه أبو داود، ورواه الترمذي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: قال: «صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله، قال نافع: ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك»، ويزداد الأمر شدة وعظمة في زمن «البث» واقتران العالم الحقيقي بالعالم الافتراضي، وسهولة رواج الخبر بين الناس، وإشاعة الفضائح، والاحتفاء بها، والسبق إليها! و{ِإنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
روى معاذ بن أنس الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من رمى مؤمنا بشيء يريد شينه به: حبس يوم القيامة على جسر من جسور جهنم، حتى يخرج مما قال: «رواه أبو داود، وفي الصحيحين لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عذاب طائفة من الناس ذكر منهم النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي: «يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، فإنه الرجل يغدو من بيته، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق» وهذا واقع بوضوح اليوم! فبعدد من الأحرف في أحد برامج التواصل تحمل فرية على مسلم بضغطة أصبع تصل إلى أقصى الدنيا، ويتلقفها الناس، وما إثمها إلاّ على من زيفها ونشرها بين الناس، والله المستعان، وأقسى تلك الجنايات وأرداها، وأقبحها وأشقاها: الطعن في الأعراض! والله عظم شأن العرض والشرف، فلا يجوز تهمة المسلم بالزنى إلا بالقيود الشرعية الشديدة برؤية العين وأربعة الشهود والاقرار، وغير ذلك فالقذف بالزنى من أعظم الجنايات.
وأبان د. بدر العتيبي في ختام حديثه أن من أقبح الطعن في الأعراض: مؤاخذة أهل البلد، أو القبيلة، أو جماعة ما بانحراف أحد أفرادهم! وذم طائفة كاملة لذم رجلٍ واحد، وهذا من وخيم الظلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أعظم الناس فرية رجل هاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها» رواه ابن ماجه، مشيراً إلى أن من شيمة الشرفاء: الإعراض عن الأعراض.