سلمان بن محمد العُمري
من الأمثال العربية التي درسناها ولازالت عالقة في أذهاننا «القناعة كنز لا يفنى»، وكانت من الجمل التي يطلب منا مدرسو الخط أن نكتبها مراراً، ويطلب مدرس القواعد أن نعربها، وشرحها بإسهاب مدرس التعبير، وسمعناها من أهلنا كثيراً، بل إننا كنا نقرأها مكتوبة على ظهر السيارات حينما كانت الكتابة على السيارات الخصوصية والنقل ظاهرة عامة، واختفت منذ ثلاثة عقود.
تذكرت هذا المثل العظيم في مدلولاته وأنا أرى واقراأ وأسمع تحولاً مجتمعياً في المفاهيم والعادات وقبلها المعتقد الإيماني لدى كثير من الناس الذين انجرفوا خلف الماديات، وأصبحت هي ميزانهم وغايتهم في العلاقات والتعاملات مع الناس، والهاجس الذي يراودهم في معظم شؤونهم.
لا غضاضة أن يسعى الناس للكسب وزيادة مدخولاتها بالطرق المشروعة والسعي للترقي في مناحي الحياة، ولكن المؤسف أن هذا السعي ومن ثم الكسب أصبح يسايره ويصاحبه تصرفات ما كنا نعهدها في السابق؛ فالطفل الصغير الذي لا يعي ما يلبس وما يأكل وما يشرب ولا يفرق عنده شيء أصبحنا نغذيه من الصغر على «الهياط»، وما يسميه أهله بـ»التميز»، فلابد أن يلبس ماركات ويعلم الطفل هذه الماركة وقيمتها ومميزاتها حتى يتباهى عند زملائه بها، ونبحث لأبنائنا وبناتنا عن مدارس خاصة لا ليتعلمون فيها بقدر ما يهمنا موقعها ونوعية الطلاب والطالبات الذين يدرسون فيها، والبيئة الغالبة فيها وأنهم من أبناء الذوات والنخب، ولا نسأل عن المستوى التعليمي بل وحتى الأخلاقي في المدرسة من أجل أن نقول إن ابننا وبنتنا تدرس في المدارس المشهورة فقط.!
حينما نتحدث مع أبنائنا لم نعد نحدثهم عن القيم والأخلاق، وإنما صارت أحاديثنا المباشرة معهم أو ما يسمعونها منا الحديث عن المشاهير والمشهورات وأين ذهبوا، وماذا أكلوا، وأين حلوا وارتحلوا، وماذا لبسوا، وما الكماليات التي يستخدمونها، وما عدنا نسمع حديثاً عن القدوة الصالحة والتربية السليمة السوية، وأصبحنا نمارس التنمر حتى على من حولنا بالمباهاة في الملبس والمركب، وأشياء أخرى لا حصر لها.
وفي واد آخر أصبحنا نغذي الأبناء لا عن أمجاد بنيناها بأنفسنا وعصامية سلكناها ونقش على الصخر، بل نحدثهم عن مجد سالف بل وتالف لا يؤبه له في مسالك التربية والقيم والقدوة الصالحة، ولم نعد نغرس فيهم الأسوة الحسنة، بل أصبحنا ندربهم على الكذب والنفاق والتباهي، بل والتصنع والتكلف في أمور لا يجوز الإسراف والتبذير فيها لو ملكناها، وكيف وقد عدمناها، بل إن هناك من يتسلف ليسافر، ويتسلف ليلحق أبناءه بمدارس أهلية، وهناك من يقترض ليشتري سيارة فارهة وهو لم يمتلك منزلاً بعد، وهكذا في معظم شؤوننا من أجل مجاراة الناس في مظاهرها الزائفة، والأخطر من ذلك حينما ننقل لأبنائنا هذه العادات السيئة ونغرس فيهم وتؤصل عندهم عقدة المظاهر.