ماذا تراني أقول في شيخ يبدأ اسمه بالصلاح، وينتهي بالمحامد. وهكذا كانت حياته، مجمعًا للصلاح والمحامد. عرفتُ الشيخ صالح الحمادي من خلال معرفتي بذريته الصالحة. وكنتُ أتساءل كيف لرجل أن يزرع كل هذه المحامد في نفوس ذريته وبكل ذلك العمق والتجذر. إلى أن تشرفتُ بالعمل معهم مديرًا للعيادات الخارجية في مستشفى الحمادي، فرأيتهم عن كثب، وخبرتهم بنفسي، فما وجدتُ إلا كل خير، وما عرفتُ إلا كل محمدة. إذا اجتمع بهم الشخص رأى الوجه الحسن من الدنيا، وشعر أن الخير لن ينقطع أبدًا ما دامت مثل هذه الأرواح موجودة. رأيت حرصهم على الخير، وإخفاءه حتى لا يعلم أقرب شخص لهم عن ما يبذلونه. ورأيت تواضعًا أبهرني، ورأيتُ قبولاً يفرش الله به طرقاتهم لم أشهد له مثيلاً من قبل. ولذلك كله، كنتُ أتساءل دائمًا، من ذلك الرجل الصالح الذي يقف وراء كل هذه الأرواح النظيفة الطاهرة الخفية النقية الصافية. ولما تشرفت بالعمل معه - رحمه الله وغفر له- عرفتُ سر كل ذلك الوهج في ذريته: فهو يملك قلبًا يسع العالم بأجمعه، ويملك روحًا محلقة، تطمح لخدمة الإنسانية كلها، ولم أر يومًا حدًّا لطموحه في أعمال البر، فقد كان يناطح أعنان السماء، ولم يتردد قط في بذل معروف، ولم يسأل في موضوع أي تبرع. رجل من طراز نادر، من يراه يبذل يظنه يغرف من بحر لا يجف. كان سخي اليد، معطاء، كريمًا بلا حدود. وزين كل ذلك بصمتٍ وهيبة وسمت عجيب.
الحديث عن الشيخ الجليل صالح الحمادي، لا يمكن أن تكفيه مجلدات. فقد كان مدرسة في الخلق، ومدرسة في التربية، ومدرسة في الإدارة، ومدرسة في التطوع والبذل والسخاء.
العزاء لا يُقدم لبنيه وبناته فحسب، بل إنني أعزي الكرم، والخلق، والنبل، والسخاء، أن فقدوا ذلك المثال الذي يُحتذى.
وإذا كان «الذكر للإنسان عمر ثانٍ»، فإن الذرية الصالحة، التي تمشي في الأرض وتزرع الخيرات والحسنات والصدقات، هي عمر ثالث ممتد، فروع شجرة معمرة ضاربة في القدم «وولد صالح يدعو له». كلنا ذلك الولد للشيخ الجليل صالح الحمادي: اللهم اغفر له، وأجزه عنا خير الجزاء.
** **
برجس بن فهد العيباني - مدير شؤون المرضى بمستشفى الحمادي - سابقًا