إذا كانت كتب الجغرافيا تقول إن المدن التاريخية ذات الأصول الحضارية دائماً تنشأ وتنمو على موقع طبيعي مميز فقد قدر لمنطقة ميسان بني الحارث الواقعة على امتداد جبال السراة في جنوب مدينة الطائف بما يقارب الـ 100كلم أن تتكئ على مقومات سياحية طبيعية كبيرة تكسو جبالها وأوديتها وقراها بثوب الجمال والخضرة والنضارة والهدوء والنسيم العليل وهو ما أهلها لتكون واحدة من مصائف بلادنا الجميلة والمميزة التي يهرع إليها الكثير من أبنائها في إجازاتهم الصيفية للاستمتاع بما تتوافر عليه من مقومات طبيعية ومن منتجات مزارعها الغنية بالأشجار وأطايب الثمار.
بل إن مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أطلق عليها وفي إحدى زياراته التفقدية مسمى (دلوعة الغيم) والتي شهدت منذ توليه إمارة منطقة مكة المكرمة نقلة نوعية في إقامة الكثير من المشاريع وتوفير وتحسين الكثير من الخدمات والمرافق الأساسية والهامة.
وإلى جانب إنها إحدى المناطق التابعة لمحافظة ميسان فهي تتسم بروح العراقة السعودية الأصيلة وما تحمله كل ناحية منها من تاريخ وتراث سلالات من البشر عمرت هذه البقعة منذ مئات السنين لتقف اليوم شاهدة تحكي حكاية إنسان هذه المنطقة في رحلته مع الوجود والحياة وتجاوبه وتناغمه التام مع رياح التغيير التي عمت أرجاء البلاد منذ توحيدها على يد موحد كيانها جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله وأبنائه الملوك من بعده رحمهم الله جميعاً حتى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين ومهندس الرؤية الطموحة.
لقد ساءني كثيراً وأنا أزور صيف هذا العام المنصرم هذه المنطقة وبعد انقطاع دام لأكثر من سبعة أعوام لأجدها كما هي لم تتغير ولم تتبدل سوى ما قامت به البلدية منذ تأسيسها من إضفاء بعض اللمسات الجمالية وتوسعة وإنارة للشارع العام وإقامة بعض الأسواق وبعض المنتزهات ومقر للاحتفالات ومبنى للبلدية والتي تم تنفيذها قبل آخر زيارة لي للمنطقة، وإن كانت هذه الجهود والإنجازات مقدرة ومشكورة لبلدية ميسان إلا أن المؤسف جداً أن تفتقر هذه المنطقة وهي مقر محافظة ميسان التي تضم منطقة بلاد بني سعد وبلاد ثقيف وبني مالك إلى الخدمات السياحية الأساسية مثل خدمات الإيواء والمطاعم والمقاهي الحديثة والفنادق الجميلة ففي زيارتي هذه اضطررت ومرافقي في قدومنا من مدينة جدة لأخذ قسط من الراحة ما بين الظهر والعصر وقبل الوصول لوجهتنا المطلوبة في أحد مساجد ميسان التي رحبت بنا بأبوابها المفتوحة عندما لم نجد أي إيواء مناسب، وعندما أردنا تناول شيء من الشاي والقهوة طفنا ميسان وقراها فلم نجد أي مقهى أو بوفيه يتوفر به مطلبنا، وعندما أراد صديقي الاستفادة من خدمة الصرافة البنكية لشراء بعض فواكه المنطقة لم نجد سوى فرع صغير لبنك وحيد فقط في المنطقة وكأنما ميسان ترغب أن تعيش في الماضي وللأبد وتأبى الحداثة والتطور والتناغم مع متطلبات العصر الحديث.
وبرغم متابعتي لزيارات العشرات من المسؤولين ورجال الأعمال وتعاقب عدد من المحافظين طوال السنوات الفارطة، وتأسيس شركة ميسان السياحية منذ عدة سنوات التي جمع لها عشرات الملايين، ووجود مجلس بلدي تم تجديد واختيار أعضائه عدة مرات ولكننا وللأسف لم نلمس حتى الآن أي جهود أو بوادر سارة لتنمية وتطوير السياحة بهذه المنطقة خصوصاً وهي تعتبر ممراً حيوياً ترتبط بطريق سياحي يربطها من الطائف إلى قرى ومناطق ومدن الجنوب.
إن منطقة ميسان والمناطق المجاورة لها تعتبر اليوم من شرفات الأمل لمستقبل السياحة والاصطياف في المنطقة وإحدى الوجهات الواعدة بالخير والنماء وتحقيق خطط وطموحات القيادة الحكيمة، وعلينا أن ندرك تماماً أن الخدمات السياحية ليست فقط شواطئ أو مرتفعات ومنتزهات وغابات وإن كانت من أهم المقومات الأساسية إلا أن الخدمات السياحية المتعددة والمتوفرة من مأوى ومطاعم وملاهٍ للأطفال وتنظيم للبرامج الترفيهية الصيفية والأنشطة الثقافية والشعبية التي تلبي رغبات كل الشرائح المجتمعية، مع تظافر واهتمام أعيان ورجال الأعمال بالمنطقة، ووجود الإعلام السياحي المتمكن في جذب وتسويق هذه الخدمات والمقومات سيعطي للمنطقة بعداً آخر ويجعلها في عداد المناطق السياحية التي تنافس بقوة على استقطاب السائح من كافة أرجاء البلاد ودول الخليج العربي وسيكون للاستثمار فيها مردوده المجدي والإضافة المفيدة لتنمية البلاد.