حكم تحصين الأموال والجمادات بالرقية الشرعية
1 - قال تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا} وتفسيرها: وهلا حين دخلت حديقتك فأعجبتك حمدتَ الله، وقلتَ: هذا ما شاء الله لي، لا قوة لي على تحصيله إلا بالله. فعموم هذا اللفظ يكون عند إعجاب الإنسان بالشيء، ويكون سبباً في زيادته ونموه وثباته، وابتعاد الشيطان عنه حين ذكر الله تعالى فلا يقوى الشيطان على الكيد للإنسان بالعين الشيطانية {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}، وكما هو الشأن في الأذان، فإن الشيطان يدبر إذا سمع النداء وله ضراط- كما جاء في الصحيحين -. فالذكر يضعف القوة الشيطانية المنبعثة من عين المعجب أو الحاسد أو يقضي عليها عند وجود الشروط وانتفاء الموانع.
روى هشام بن عروة عن أبيه أنه كان إذا رأى شيئاً يعجبه، أو دخل حائطاً من حيطانه قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
وروي ذلك عن الإمام مالك وشيخه، -كما ذكره القرطبي في تفسيره، وغيره-: إذا دخلوا بيوتهم أو رأوا ما يعجبهم من أموالهم قالوا: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، يتأولون قول الله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}.
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله، أو ماله، أو ولده فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله - وهذا مأخوذ من هذه الآية الكريمة - يعني قوله تعالى في سورة الكهف: 36 - {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}.. اهـ.
وقال الجصاص في الأحكام: وقد أفاد أن قول القائل منا (ما شاء الله) ينتظم رد العين وارتباط النعمة وترك الكِبر، لأن فيه إخبارًا أنه لو قال ذلك لم يصبها ما أصاب. اهـ.
2 -روى الأمام أحمد: (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ مَالِهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيُبَرِّكْهُ فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ) وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة».
والأموال: يشمل الجمادات وما ليس من الجمادات كالحيوانات والرقيق.
3 - ورى الإمام أحمد في مسنده، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء لحنظلة بالبركة، قال الراوي -واسمه ذيَّال-:
(فَلَقَدْ رَأَيْتُ حَنْظَلَةَ يُؤْتَى بِالْإِنْسَانِ الْوَارِمِ وَجْهُهُ، أَوِ بِالْبَهِيمَةِ الْوَارِمَةِ الضَّرْعُ، فَيَتْفُلُ عَلَى يَدَيْهِ وَيَقُولُ: بِسْمِ اللهِ، وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَيَقُولُ عَلَى مَوْضِعِ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَمْسَحُهُ عَلَيْهِ، فَيَذْهَبُ الْوَرَمُ) وصححه الشيخ الألباني في «السلسلة الصحيحة».
4 - تأثر الدواب والجمادات بكتاب الله تعالى أمر مشهور وردت به الأدلة الكثيرة، ومن ذلك أن الله عز وجل أخبر عن بعض الحجارة بقوله: (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)، ومنه حنين الجذع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتحرك الفرس لتنزل السكينة بتلاوة سورة الكهف كما في حديث البراء بن عازب في «صحيح البخاري ففي الصحيحين: قَالَ: (كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ).
5 - روى مسلم من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين. حيث دل على أن للعين تأثيراً على الأموال كما تؤثر على الإنسان. وبناء على ذلك فإنه يشرع تحصين السيارة وغيرها من الأموال بسؤال الله العافية وبالرقية وقول ما شاء الله.
فقد روى أبو داود في سننه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) وصححه الألباني.
6 - وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف: ألا بركت عليه - أي: قلت: اللهم بارك عليه.
قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد: وإذا كان العائن يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين، فليدفع شرها بقوله: اللهم بارك عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف: ألا بركت عليه - أي: قلت: اللهم بارك عليه، أ.ه.
وعلى هذا: فإن تحصين البهائم والجمادات من السيارات وغيرها، بذكر الله تعالى عليها، وتعويذها بالله من كل عين لامة ومن كل شيطان وهامة، ونحو ذلك من الرقية الشرعية والأدعية المباحة لا بأس به، مع اعتماد القلب على الله تعالى في جلب النفع، ودفع الضر مع الثقة به سبحانه، والإيمان بالقضاء والقدر، فإن بذل الأسباب من التحصن المشروع لا بأس به، والله تعالى أعلم.
**
- د. محمد بن سعد الهليل العصيمي/ كلية الشريعة بجامعة أم القرى مكة المكرمة.