ينشطر أغلبية الطلبة في المملكة إلى شطرين رئيسيين علمي وأدبي.
عندما يرى أحدنا التطور التكنولوجي عند الغرب، يظن أنه لن يتأتى لنا ذلك إلا بالاعتماد والاتكاء على التخصصات العلمية وحدها فقط، وإغلاق كل التخصصات الأدبية.
بمعنى أن الحياة اليوم باتت لا تحتاج إلا التخصصات العلمية.
نعم قد يكون الاحتياج للعلمي أكبر هذه الأيام من الأدبي لأسباب كثيرة، ولكن لا يعني ذلك الاستغناء التام عن الأدبي.. هي مسألة نسبية.. كم أريد من العلمي وكم أريد من الأدبي؟..
هي مسألة احتياج أكثر لأحدهما في هذه المرحلة، وليست مسألة استغناء عن الآخر.
نعم نحتاج إلى طب، وهندسة، وأحياء، وعلوم، وأمن سيبراني، وحاسوب، ورياضيات، وفيزياء، وكيمياء.
وفي الاتجاه الآخر، نعم نحتاج إلى اللغة العربية، والتاريخ، والفلسفة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، وعلوم سياسية، وحقوق وأنثروبولوجيا.
كما أن العالم يحتاج إلى غاليليو، والخوارزمي، وأرخميدس، والفارابي، ونيكولا تسلا، وجابر بن حيان، وألبرت أينشتاين، وابن سينا، وإسحاق نيوتن، والرازي، وماري كوري، وابن الهيثم، وتوماس أديسون.
فإنه يحتاج أيضاً إلى شكسبير، والجاحظ، ودانتي، والمتنبي، وغوته، والعقاد، ورفائيل، وأبو القاسم الشابي، وأنجلو، ونجيب محفوظ، وبيتهوفن، وغازي القصيبي، وشوبان، وأنيس منصور، وموزارت.
أوروبا لم تقفز فوراً من القرون الوسطى إلى الثورة الصناعية.
لم تنتقل مباشرة من الجهل والخرافات والخزعبلات والظلام إلى المختبرات والمصانع.
بل مرت بمرحلة تسمى عصر التنوير.. والتنوير باختصار هو تشغيل العقل وعدم تركه معطلاً.. وحركة التنوير قادها المصلحون والمفكرون والفلاسفة والكتّاب.
لا يمكن أن أجعل من إنسان مخترعاً أو مهندساً أو مبدعاً قبل أن أزيل الخرافة والجهل من تلافيف مخه.. أن أحول ظلام عقله الدامس إلى نور وهاج.
التنوير أدى إلى موتور، ومصانع، ومحركات بخارية، ولقاحات، وطائرات، وسيارات، وكمبيوترات، وناطحات سحاب.
كما نحتاج إلى منشئ للمعامل أو المصانع، نحتاج إلى منشئ عقول.
الأمم لا تنهض إلا بالعلمي والأدبي سويةً.
نحتاج إلى عالم الذرة ونحتاج أيضاً إلى الكاتب.
** **
- عبدالله المسيّان