يعني مفهوم مصطلح «القوة الناعمة» التأثير على الرأي الاجتماعي والثقافي للشعوب وتغييره، وقد عان العرب عامة من إظهاراته عبر العقود الماضية حيث رسخ صورا نمطية سلبية عن عموم الشعوب العربية وشعب المملكة على وجه الخصوص، وذلك في أذهان الكثير من شعوب الغرب، الذي طبع في أذهانهم من خلال ما ينشر في وسائل إعلامه المقروءة والمسموعة والمتلفزة معلومات خاطئة شكلت أفكارا مشوشة وتصورات سلبية، في ظل غياب دور الدور الإعلامي والقوة الناعمة السعودية آنذاك.
ومن خلال تجاربي عبر سنوات طويلة قضيتها في الغربة للدراسة في الغرب والذي كنت في حالة دفاع دائم عن هذا الوطن الغالي تارة مصححة لتلك الأفكار وتارة مفندة ادعاءات لا يملك زاعموها الدليل على صحتها، كانت أغلب النقاشات تبدأ بالسؤال: من أين أنتِ؟ وبمجرد الإجابة يستدعي ذلك المناقش مفاهيمه والصور النمطية السلبية الذهنية لديه ليبدأ هجومه دون أسانيد تذكر.
كنت أجد نفسي ملزمة بتصحيح الكثير من تلك المفاهيم المغلوطة، وأجادل أولئك الذين لا ينقص بعضهم المعرفة، ولكن يتملكهم دافع الحقد غير المبرر ضدنا. في بعض الأحيان تكون تلك الادعاءات على درجة عالية من السذاجة، ولكني أجد نفسي مجبرة على الرد عليها، بل والتفنيد مهما كانت الوضع النفسي أو الضغط الأكاديمي الذي أمر به كطالبة في الدراسات العليا هناك.
وعلى سبيل المثال من أكثر ما كان يطرح نقداً للمملكة وقوانينها هو عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة وفي كل مرة أجد منهم الامتعاض لأنهم لم يجدوا مني ردة الفعل التي يتوقعونها من شجب أو موافقة لهم على مظلومية المرأة. أستذكر مرة كنت في إحدى حلقات البحث العلمي في الجامعة والتي كانت على وشك البداية حيث كانت تجلس أمامي أحد ألمع الأساتذة في القسم، والتي التفتت إلي سائلة من أين أنا وأخبرتها فعلقت « نعم أنت محظوظة أنك أتيت إلى أمريكا الوضع هنا أفضل بكثير»! استفزني جدا تعليقها وكان ردي مباشرة لها « إنني أعيش في المملكة بجودة حياة أفضل بكثير من هنا» وكنت أعني ما أقوله، فما كان منها إلا أن أدارت ظهرها لي امتعاضاً. هذا بالإضافة للعديد من النقاشات مع الكثير من الأجانب المهاجرين والتي تنتهي معهم بكل لطف واحترام بعد أن أصحح لهم الكثير من الاعتقادات الخاطئة عنا.
إن دور القوة الناعمة في أروقة الجامعات وكواليس الدبلوماسية وغيرها لها دور هام فعال في تغير الصور النمطية التي طالما شوه بها الإعلام الغربي أذهان شعوبهم على مختلف طبقاته تجاه الشخصية العربية وخاصة السعودية. الآن، وبفضل رؤية ولي العهد الطموحة واستراتيجياتها التي نشهد تأثيرها على المسرح العالمي وفي كل أبعاده، أصبحت المملكة شعلة من الضوء الذي يجلي يوما بعد يوم كل ما رسخ الإعلام الغربي عن شعب المملكة في أذهان مواطنيهم.
** **
- أستاذ الرياضيات المساعد
ايميل: ohodsh@hotmail.com