المبدعون في الغالب إن لم يكن دائماً في حاجة إلى تقدير أعمالهم ومخاطبة ذاتهم وتكريم أشخاصهم، وإذا تحقق ذلك يشعر المبدع أنه موجود وأن المتلقي في انتظار إبداعه، وأن النقاد والمسؤولين على دراية بما يقدم من عطاء فكري وجهد ثقافي، ومن ثم تنفجر عنده براكين العطاء من أجل تقديم المزيد مع الارتقاء بالجودة والنوعية، وكل هذا يصب في مصلحة المتلقي، بل وحركة الإبداع على اختلاف شرائحها.
ولقد فطن القائمون والمهتمون بالنشاط الإبداعي في المملكة العربية السعودية إلى أهمية تكريم المبدعين، من خلال تخصيص الجوائز المالية والمعنوية، لتقدير وتشجيع هؤلاء المبدعين في مختلف تخصصاتهم، فنجد جائزة الملك فيصل العالمية التي تمنح بصفة دورية ومستمرة للمتميزين في مختلف فروع الإبداع العلمي والأدبي والثقافي، كما أن العديد من المدن والمناطق خصصت العديد من الجوائز للمتميزين أيضاً مثل جائزة المفتاحة وجائزة الحوار الوطني وجائزة أمير منطقة حائل «بصمة» وجائزة الجوف للتميز والإبداع وجائزة الأمير فيصل بن بندر للشعر الوطني وجائزة الملك عبدالعزيز للجودة، وجائزة الملك خالد، ناهيك عن الجوائز المحلية، وهي كثيرة لا نستطيع حصرها في هذا المقام.
ومؤخراً جائزة الثقافة الوطنية التي تم الاحتفاء بتكريم الفائزين بها في دورتها الثانية، هي إحدى أهم الوسائل المساندة لوزارة الثقافة في دعم المثقفين المحليين، وضمان استدامة تطوّر المنتجات الثقافية في المملكة، وتعمل الجائزة عبر مواكبة رؤية السعودية 2030 على تكريم الأسماء البارزة في الساحة الثقافية، إلى جانب المساهمة في ترسية الثقافة كمفهوم للتواصل بين الأفراد.
وما أجمل الوفاء الذي نطق به صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة، حينما أشاد بالدعم الكبير الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده للمنظومة الثقافية في المملكة، وقال: «إن العمق التاريخي والإرث الحضاري لبلادنا وإبداع إنسانها، وضع المملكة في مكانةٍ ثقافيةٍ متقدمة، ما مكن وزارة الثقافة من إبراز كنوزنا الإبداعية بعمل مستدام، وفق رؤية وخطط منبثقة من رؤية المملكة 2030».
وللحقيقة فإن كل مبدع مهما كثر إبداعه أو ذاع صيته، فهو في حاجة إلى مثل هذه الجوائز، وقد يتظاهر البعض بأنه لا يسعى إلى الفوز بالجوائز، أو أنه غير معني بها، وهذا في الواقع يخالف طبيعة النفس البشرية مهما كان سمو النفس وترفعها، وهذا بالطبع لا ينتقص من قدر هؤلاء، فالنفس البشرية جبلت على حب التقدير وإظهار المودة والتكريم، بل إن الدين الإسلامي الحنيف حث على التقارب وإظهار المودة من خلال التهادي، أي تقديم الهدايا؛ لما في ذلك من التقريب بين المبدعين وزيادة المحبة وأواصر الوطنية.
ومن هذا المنطلق نجد أن جوائز الإبداع من السنن الحسنة، التي تصب في دعم الفكر الإنساني والرقي به والسمو بالعطاء الثقافي والأدبي، ومن ثم التشجيع على تقديم ما هو أفضل، وفي النهاية بما يفيد القارئ والمتذوق، ويكون تراثياً إنسانياً للأجيال القادمة.