قبل أيام قلائل، صدر قرار مجلس الوزراء الموقر ذو الرقم (110) وتاريخ 6/2/1445هـ والقاضي بالموافقة على نظام حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتوِّجت هذه الموافقة بصدور المرسوم الملكي الكريم ذي الرقم (م/27) وتاريخ 11/2/1445هـ.
ويأتي صدور هذا النظام في إطار العناية والرعاية والاهتمام والدعم غير المحدود الذي يحظى به الأشخاص ذوو الإعاقة في بلادنا الحبيبة من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين الملك/ سلمان بن عبد العزيز، ومقام صاحب السمو الملكي الأمير/ محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء - يحفظهما الله -، ثم إنه يعد ثمرة من ثمرات جهود مجلس الوزراء، ومجلس الشورى، وهيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة.
ويأتي هذا النظام منسجماً مع الحراك التشريعي السريع الذي تشهده المملكة في كافة المجالات؛ بما يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية (2030)، ومواكباً لما يشهده مجال الإعاقة بالمملكة من نهوض في مستوى كم ونوع البرامج والخدمات والنشاطات، والتحول من المفاهيم الرعوية إلى المضامين الحقوقية والتنموية، كما أنه يتماشى مع التطورات والتغيرات التي يعيشها مجال الإعاقة على المستوى العالمي، والتي تبلورت معالمها التشريعية في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، الصادرة عن الأمم المتحدة عام 2006م، والتي وقعتها المملكة، وصادقت عليها وعلى بروتوكولها الاختياري عام 2008م.
ويعد صدور هذا النظام حدثاً تاريخياً مهماً في حياة الأشخاص ذوي الإعاقة في المملكة، وقد استبشروا به خيراً، وخفقت له قلوبهم فرحة وسروراً، وامتلأت نفوسهم سعادة وحبوراً، وفاضت مشاعرهم رضاً وشكوراً، ورأوا أن حلماً طالما راودهم قد تحقق، وطفقوا يدعون الله - سبحانه وتعالى - أن يحفظ قيادتنا الحكيمة، وأن يجعل التوفيق والنجاح والسداد حليفها في كافة مساعيها.
ويعد هذا النظام أعظم انطلاقة تشريعية في مجال الإعاقة بالمملكة، إذ إنه سيصبح هو المهيمن والحاكم على جميع التنظيمات واللوائح في مجال الإعاقة بالمملكة، وقد جاء ليحل محل نظام رعاية المعوقين، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/37) وتاريخ 23-9-1421هـ.
وقد جاء النظام الجديد في ثلاث وثلاثين مادة، موزعة على خمسة أبواب كالتالي:
- الباب الأول: تعريفات ومبادئ عامة.
- الباب الثاني: الحقوق والخدمات.
- الباب الثالث: الدعم الاجتماعي والاقتصادي.
- الباب الرابع: المخالفات والعقوبات.
- الباب الخامس: أحكام ختامية.
وقد نصت المادة الثانية من النظام على أنه يهدف إلى حماية وتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وضمان حصولهم على جميع الخدمات، وذلك أسوة بغيرهم، ويؤكد النظام في هذه المادة على المبادئ الأساسية التالية:
1. عدم التمييز على أساس الإعاقة، وضمان تكافؤ الفرص.
2. توفر متطلبات إمكانية الوصول والترتيبات التيسيرية.
3. شمول التشريعات والاستراتجيات والسياسات والأنشطة والبرامج والخطط والتصاميم الحكومية وغير الحكومية لمتطلبات الأشخاص ذوي الإعاقة.
4. مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في إدارة قضاياهم، وتمثيل أنفسهم محلياً ودولياً.
5. أن تكون لمن بلغ سن الرشد من الأشخاص ذوي الإعاقة أهلية مباشرة التصرفات النظامية، ما لم تمنعه إعاقته من ذلك وفق ما تقرره الأحكام النظامية ذات الصلة.
6. اعتماد طرق بديلة ومناسبة للتواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، وتشمل التواصل اللفظي، أو المكتوب، أو لغة الإشارة، أو غيرها.
7. تدريب الكوادر المعنية بخدمة الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع الجهات على طرق التعامل والتواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، ورفع الوعي بحقوقهم.
وقد صدر هذا النظام مجملاً بمواده، وترك التفاصيل للائحة التنفيذية المنصوص عليها بالمادة الحادية والثلاثين من النظام، وتكفي الإشارة هنا إلى جانبين في النظام؛ أحدهما إجرائي، والآخر موضوعي، فأما الجانب الإجرائي، فيتلخص في أهم الخطوات التي مر بها إعداد النظام، وذلك كما يلي:
1. قام كاتب هذه المقالة، وبعض الزميلات السابقات والحاليات في مجلس الشورى بتقديم مشروعين يهدفان إلى تعديل نظام رعاية المعوقين المشار إليه آنفاً، وذلك من خلال المادة (23) من نظام المجلس.
2. قامت اللجنة المختصة بالمجلس بدراسة المشروعين، ودمجهما في مشروع واحد تحت عنوان: (نظام حقوق ذوي الإعاقة)، وصدر في شأنه قرار مجلس الشورى رقم (48/24) وتاريخ 22/5/1437هـ.
3. تم الرفع بالمشروع إلى مقام خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله-، وذلك بموجب خطاب معالي رئيس مجلس الشورى رقم (12198) وتاريخ 7/6/1437هـ.
4. تمت إحالة الموضوع إلى هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة التي بذلت جهوداً كبيرة في دراسة المشروع، وتطويره؛ بما يلبي متطلبات واحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، وقد تم ذلك من خلال الاطلاع على الأبحاث والدراسات والتجارب والخبرات المحلية والإقليمية والعالمية، وتنظيم ورش العمل التي شارك فيها الأشخاص ذوو الإعاقة، وأولياء أمور الأطفال ذوي الإعاقة، والمتخصصون في مجالات الإعاقة المختلفة.
5. تم الرفع بمسودة المشروع إلى الديوان الملكي، وذلك بموجب خطاب معالي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، رئيس مجلس إدارة هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة رقم (75091) وتاريخ 14/4/1441هـ.
6. ورد المشروع إلى مجلس الشورى، وذلك بموجب برقية معالي رئيس الديوان الملكي رقم (78739) وتاريخ 17/12/1443هـ، فقام المجلس بدراسته، وإجراء بعض التعديلات الطفيفة عليه، وأصدر في شأنه قراره ذا الرقم (25/4) وتاريخ 21/3/1444هـ، ليتم الرفع به إلى المقام السامي الكريم.
7. وافق مجلس الوزراء الموقر على هذا النظام - في شكله النهائي -، وتم اعتماده بموجب المرسوم الملكي الكريم كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
أما الجانب الموضوعي، فهو أن هذا النظام الجديد يحمل - بإذن الله تعالى - بين طياته الخير الكثير والنفع الوفير للأشخاص ذوي الإعاقة، وأولياء أمورهم، والعاملين معهم، والمهتمين بشؤونهم، فهو سيسهم - بشكل خاص - في الارتقاء بمستوى جودة الحياة لدى الأشخاص ذوي الإعاقة، ويوفر لهم الأمان الشخصي، والاستقرار الوظيفي، وتحقيق ذواتهم وطموحاتهم، وتنمية حياتهم الاجتماعية، وتلبية متطلباتهم واحتياجاتهم الأساسية، وذلك بمنأى عن نظرة الشفقة والرأفة عليهم، والتي قد تنشأ بسبب بعض الاعتقادات الخاطئة بعدم قدرتهم على العيش باستقلالية تامة.
ومن المتوقع أن يسهم هذا النظام في تغيير هذه النظرة بقوة القانون، وسوف يكون عاملاً مهماً في المساعدة على تصحيح بعض المفاهيم والاعتقادات غير الصحيحة، وذلك من خلال تأصيل مبادئ حقوقية أقرتها أنظمة ولوائح أخرى بالمملكة، كما أنه سيسهم في توعية أفراد المجتمع؛ بما يؤدي إلى تبني النظرية الاجتماعية التي ترى أن المشكلات والتحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة لا تكمن في عدم قدرتهم على أداء واجباتهم وأنشطتهم الحياتية، وإنما تكون في عدم قدرة المجتمع على استيعابهم والتعامل معهم.
وبشكل عام، فإن هذا النظام يسعى إلى الإسهام في تحويل مجتمعنا السعودي الحبيب إلى بيئات صديقة للأشخاص ذوي الإعاقة يتمتعون فيها بكامل حقوقهم، ويحصلون على أفضل الخدمات المقدمة لهم، ويتمكنون من إبراز إمكاناتهم وقدراتهم، ويتحولون من فئات مستهلكة إلى فئات منتجة تسهم في النهوض والرقي والتقدم في هذا الوطن الغالي.
وعلى كل حال، فإن هناك أربعة أمور ينبغي التنبيه إليها والتأكيد عليها، وهي كما يلي:
أولاً: إن الإنجاز التشريعي المرتقب في مجال الإعاقة، وهو إقرار هذا النظام قد تحقق، ولكن يبقى الشيء الأهم، وهو القدرة على تفعيل مواده، وتنفيذ أحكامه، وترجمة مضامينه إلى واقع ملموس تستفيد منه الفئات المستهدفة.
ثانياً: يلاحظ أن هذا النظام يحيل كثيراً إلى اللائحة التنفيذية، وقد وصل عدد المواد التي تشتمل على إحالات إلى حوالي نصف مواد النظام، وغالبيتها العظمى تحيل مباشرة إلى اللائحة التنفيذية، في حين أن بقيتها تحيل إلى مجلس إدارة الهيئة، أو إلى الهيئة نفسها، أو تقضي بإصدار أدلة إرشادية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة.
وهذا يعني أن اللائحة التنفيذية تكتسب أهمية كبرى تتطلب تكثيف الجهود لإخراجها بالصورة التي تليق بالمضامين القيمة التي اشتمل عليها النظام، وقد نصت المادة الحادية والثلاثون من النظام على أن مجلس إدارة هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة هو المعني بإصدار هذه اللائحة بالتنسيق مع الجهات المعنية، وعليه، فإن الهيئة تعكف حالياً على إعداد هذه اللائحة - بشكل متقن - يضمن تحقيق الفوائد القصوى من النظام، وتعظيمها لصالح الفئات المستفيدة.
ثالثاً: إن توطين النظام في جهة معينة يعد من أهم العوامل التي تسهم في تحقيق أهدافه، وهذا النظام سيوطن في هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، وأنا على يقين تام أن الهيئة قد أعدت عدتها، وهيأت أرضيتها، وحشدت كافة إمكاناتها الإدارية والمالية والبشرية لاحتضان هذا النظام، ووضعه موضع التنفيذ.
رابعاً: ينبغي على الهيئة - بالتنسيق مع الأطراف المعنية - تكثيف حملاتها الإعلامية، وذلك بغرض التعريف بالنظام وأهدافه ومضامينه، وتوعية أصحاب العلاقة بأهميته ومزاياه، وأساليب الاستفادة منه.
وفي الختام، ندعو الله - سبحانه وتعالى - أن يحفظ بلادنا الحبيبة، وأن يحفظ عليها أمنها واستقرارها، وأن يحفظ لها قيادتها الحكيمة الواعية الرشيدة كي تواصل مسيرة الخير والعطاء والنماء.