د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
كانت السعودية دائما قلقة بشأن الأمن الغذائي وإدارة المياه لم تسعَ سوى إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، لكن بعد الاضطرابات التي سببتها جائحة كوفيد-19 لسلاسل التوريد العالمية، ما جعل السعودية تتحول نحو التركيز على مزيد من الاستثمارات المحلية التي تعمل على تعزيز إدارة سلسلة القيمة الزراعية من خلال رقمنة العمليات وتحديثها، وفي نفس الوقت دفع السعودية نحو إعادة التفكير في الاستراتيجيات الزراعية التي يمكن أن تشكل مستقبلاً أكثر تميزاً لتحقيق الأمن الغذائي.
انقطاعات سلاسل توريد الغذاء نتيجة التوترات الجيوسياسية مثل الحرب التي تشنها روسيا في أوكرانيا تثير حساسية الصين أكبر دولة مستورد صافٍ للمنتجات الغذائية وعلى رأسها فول الصويا والذرة والقمح والأرز، رغم أن الصين تحتل المركز الأول على مستوى العالم في إنتاج الحبوب مثل الذرة والقمح والأرز والفواكه والخضروات واللحوم والدجاج والبيض ومنتجات الأسماك، لكن بسبب تغير المناخ والتلوث خفضا إنتاج المحاصيل المحلية في الصين وفقدها 5 في المائة من الأراضي الزراعية، يستهلك العالم من القمح 750 طناً من القمح حسب الفاو في 2020 تنتج الصين 132 مليون طن تستهلك 94 مليون طن، وتنتج الهند 93 مليون طن ثم روسيا 73 مليون طن ثم الولايات المتحدة 62 مليون طن، تليها كندا 30 مليون طن ثم فرنسا ب29 مليون طن، فأوكرانيا في المرتبة السابعة ب26 مليون طن، وتأتي السعودية في المرتبة الـ57 عالمياً بإنتاج 765.815 طناً في 2020 تستهلك 3.7 كليو طن سنوياً بنسبة اكتفاء 20 في المائة، بعدما كانت تنتج 2 مليون طن عام 1995 وهو ضعف الاستهلاك في ذلك الوقت.
تمتلك السعودية أكبر سعة تخزين للقمح والدقيق في الشرق الأوسط بأكثر من 3.3 مليون طن، وأيضاً تنتج 7.9 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من 33 محطة بنسبة 22 في المائة من الإنتاج العالمي للمياه المحلاة تمثل 60 في المائة من إمدادات المياه في القطاع المدنى، بأطوال 7700 كيلو متر.
تود السعودية الحفاظ على المخزون الاستراتيجي من المياه الجوفية مع أهمية الخزان الاستراتيجي لتغذية المياه الجوفية، لذلك نراها تراعي الاستدامة الزراعية بعد تجربة مرت بها السعودية في زراعة القمح والشعير والأعلاف استنزفت المخزون الجوفي ما يزيد على 650 مليار متر مكعب خلال ثلاثة عقود التي بدأت بعد طفرة عام 1975 نتج عنها نضوب مياه الأحساء بعدما كانت تملك 57 عيناً في عام 1970 نضبت تماماً في عام 1989.
تتجه الدولة نحو تطوير القطاع الزراعي خلال السنوات العشر القادمة، وستقدم للقطاع الزراعي حزماً بقيمة 91 مليار ريال لتطوير قطاع الاستثمار لرفع المحتوى المحلي في كل المنتجات الغذائية.
تسعى السعودية للاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والأراضي الزراعية، حيث أعلن صندوق الاستثمارات العامة عن توقيع اتفاقية مع إيروفارمز الأميركية بغرض تأسيس شركة مقرها الرياض تهدف إلى إنشاء مزارع عمودية من خلال تبني التقنيات العمودية الداخلية، التي لا تتطلب استخدام الأراضي الصالحة للزراعة، وتستهلك كميات أقل من المياه بنسبة 95 في المائة مقارنة بالطرق التقليدية، وما يضمن وفرة الإنتاج في المحاصيل، وتوقع صندوق الاستثمارات العامة أن يصل حجم الطاقة الإنتاجية السنوية لأول مزرعة بالسعودية ما يعادل 1.1 مليون كلجم من المحاصيل الزراعية لتكون الأكبر من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بهدف تحسين الميزان التجاري وتعزيز مكانة الدولة في مجال الزراعة العمودية بالمنطقة، في ظل محدودية المياه العذبة والأراضي الصالحة للزراعة.
ارتفع إنتاج السعودية من المحاصيل الزراعية 5.7 في المائة ليبلغ 4.77 مليون طن في 2020 أدت إلى ارتفاع الصادرات 25.9 في المائة لتصل إلى 307.8 ألف طن في 2021، وكانت منتجات الألبان الطازجة أعلى نسبة اكتفاء ذاتي من المنتجات الحيوانية بـ121 في المائة وكذلك بيض المائدة بنسبة 112 في المائة وسجلت لحوم الدواجن نحو 66 في المائة و40 في المائة من الأسماك، وتعتبر السعودية من أعلى دول العالم استهلاكا للحوم الدواجن حيث يبلغ متوسط استهلاك الفرد نحو 50 كيلو جرام سنوياً محتلة بذلك الترتيب الثالث عالمياً في نسبة استهلاك الفرد.
ويصل حجم استهلاك السعودية من الدجاج إلى نحو 1.38 مليون طن سنوياً، وتعد الأولى عربياً في إنتاج الدواجن، وتسعى الدولة لرفع النسبة إلى 80 في المائة بحلول عام 2025 عبر ضخ استثمارات 17 مليار ريال، تأتي التمور في المرتبة الثانية بنسبة اكتفاء 118 في المائة وبكمية إنتاج محلي بلغت 1.54 مليون طن عام 2021، أتت بعد مصر التي تنتج 1.7 مليون طن سنوياً، فيما بلغ إنتاج الخضار قرابة 1.6 مليون طن بمعدل اكتفاء 60 في المائة.
تصب السعودية اهتمامها على منظومة الأمن الغذائي حيث تتطلع إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجموعة من السلع الاستراتيجية، ولم تكن أزمة الغذاء التي تلوح في الأفق مفاجئة للسعودية، فبعد أزمة الغذاء عام 2008 استعدت الدولة لتعزيز احتياطياتها الغذائية من خلال تشجيع المزارعين على تسخير تقنيات الزراعة الذكية وعبر توفير الغذاء دوليا، ومنذ ذلك الوقت حققت السعودية مستوى عالياً من الاكتفاء الذاتي.