د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
حدث أول تحول في نظام الطاقة من الخشب إلى الفحم في القرن الثامن عشر، خصوصًا أنه ارتبط بإنتاج الحديد الذي أثبت أنه أكثر فاعلية مقارنة بالخشب، ومع ذلك لم تكن التحولات في نظام الطاقة سريعة، بالرغم أن القرن التاسع عشر عرف بقرن الفحم، فإنه ظل قائمًا بالفعل على الخشب، ولم يصل الفحم يمثل نصف الطلب العالمي على الطاقة إلا في مطلع القرن العشرين، ولم يطغَ النفط على الفحم إلا في الستينات من القرن العشرين، أي بعد اكتشافه بقرن من الزمان، رغم ذلك تضاعف الاستهلاك العالمي على الفحم ثلاثة أضعاف.
ومن المستهدف أن يتم تحقيق التحول الحالي في نظام الطاقة المدفوع بالمناخ على نحو سريع خلال فترة تزيد على ربع قرن، والقصد منه أن يكون تحولياً من أجل أن يختفي الفحم، ويتوقع الاتحاد الأوروبي أن يوفر الهيدروجين ما يتراوح بين 20 و25 في المائة من إجمالي طاقته بحلول عام 2050 وهو يمثل حالياً أقل من 2 في المائة.
بدأت تتجه الدول المتقدمة إلى استخدام أساليب غير مألوفة لا تمت لآليات السوق بأي صلة، فاتجهت دول مجموعة السبع تبناه الاتحاد الأوروبي بوضع سقف أسعار للبترول الروسي بحجة تحجيم مداخيل روسيا التي قادت حربًا في أوكرانيا، وفي مجاهرة غير مألوفة بفرض البرلمان الأوربي الولاية خارج أوروبا، وإدانة مقترح بإنشاء خط أنابيب نفطي يمتد من أوغندا مرورًا بتنزانيا وصولاً إلى المحيط الهندي، باعتبار أن الخط له أثر ضار في المناخ والبيئة وحقوق الإنسان.
ما جعل البنوك الأوربية تقوم بإيقاف التمويل المتعلق بتطوير الموارد الهيدروكربونية في إفريقيا حتى أن أحد وزراء الطاقة في إفريقيا علَّق قائلاً: وقف التمويل يشبه إزاحة السلم ومطالبتنا بالقفز أو الطيران، وستكون هناك حاجة ملحة بشكل متزايد إلى تحقيق توازن بين وجهات نظر العالم النامي حيث يعيش 80 في المائة من سكان العالم وبين وجهات نظر أوروبا وأمريكا الشمالية، ستتولاها السعودية، وهي الوحيدة القادرة على إدارة الملفات الشائكة في العالم.
خصوصا وأن وكالة الطاقة العالمية تتوقع أن الاقتصاد العالمي سينتقل من نظام كثيف الاستهلاك للوقود إلى نظام طاقة كثيف الاستهلاك للمعادن، ما جعل السعودية تستضيف مؤتمر التعدين العالمي في الرياض من 10-12 يناير 2023 بمشاركة ممثلو 60 دولة، ويشهد بمشاركة 200 متحدث من مختلف دول العالم، لما للسعودية من دور قيادي في تلبية حاجات العالم بعد نجاحها في تحقيق التوازن في ملف الطاقة خلال الفترة الماضية، ورفضت تسيس الملف من قبل أي دولة، فهي تسعى كذلك لتطوير طموحاتها في قطاع التعدين وصناعة المعادن التي لن تكون فقط محلية بل الطموحات السعودية في أن تكون لها منطلقات وطموحات تسعى إلى المساهمة في التنمية الإقليمية والعالمية.
يناقش المؤتمر تنمية المنطقة الممتدة من أفريقيا إلى غرب ووسط آسيا وزيادة مساهمتها في سلاسل القيمة والإمداد للمعادن الحرجة، وتطويرها لتصبح مركزا متكاملا لإنتاج المعادن الخضراء، مع بحث إنشاء مراكز تميز في المنطقة لزيادة مساهمتها في إمداد العالم من المعادن في المستقبل، الذي يشهد ارتفاعا عالميا، وبشكل خاص في المعادن الاستراتيجية التي تتوافق مع التحول إلى الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية.
وقد تناولت دراسة عن تزايد الطلب على المعادن وأنواع الأهداف لعام 2050 التي طرحتها الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي خصوصا فيما يتعلق بالمعادن التي تتصل لمنظومات الرياح البحرية أو المركبات الكهربائية، فمثلا السيارات الكهربائية تحتاج نحاسا أكثر بمرتين ونصف على الأقل من المركبة ذات محرك الاحتراق الداخلي التقليدي.
ما يعني أن الطلب على النحاس لابد أن يتضاعف بحلول منتصف الثلاثينات من هذا القرن لتحقيق أهداف عام 2050، حيث تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن المنجم الجديد يتطلب 16 عاما أو أكثر بدءا من اكتشافه وصولا لباكورة إنتاجه، كما أن إنتاج النحاس متركز بشكل كبير مقارنة بالنفط، فثلاث دول أنتجت في 2021 نحو 40 في المائة من الإنتاج العالمي هي الولايات المتحدة والسعودية وروسيا، ودولتان اثنتان أنتجتا 38 في المائة من النحاس وهما تشيلي وبيرو.
مع تزايد حدة السباق للوصول بالانبعاثات إلى الصفر كربون، فثمة خطر بأن تشتعل المنافسة على المعادن خصوصا بين القطبين الولايات المتحدة والصين، يعتبر أكبر تحد أمام تحول نظام الطاقة بسبب ارتفاع تكلفة المدخلات في استغلال طاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى جانب تحديات القيود الاستثمارية.
لذلك أمام المؤتمر تحديات، منها أمن الطاقة والتأثيرات الاقتصادية الكلية، والفجوة بين الدول النامية والمتقدمة في الحصول على المعادن التي تؤثر بشكل كبير على تطور عملية تحول نظام الطاقة، فإذا كان أمن الطاقة هو التحدي الأول أمام التحول، فإن التوقيت هو التحدي الثاني، فهناك ضغوط كبيرة للإسراع بتحقيق جزء كبير من أهداف الانبعاثات الكربونية لعام 2050 في عام 2030، ولكن يبدو ان هناك استهانة بحجم المحاولات الجارية، مرة أخرى بعد تصدر السعودية في إدارة ملف أمن الطاقة الأحفورية، تتصدر السعودية المشهد في إدارة ملف تحول أمن الطاقة المعتمد على إنتاج المعادن.