د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يتطلع المستثمرون في العقار، وكذلك الأفراد إلى مستويات الفائدة التي تؤثر سلباً في السوق بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض، يعني تباطؤ القطاع، ففي تسعينيات القرن المنصرم رفعت بريطانيا الفائدة إلى 16 في المائة لحماية الجنيه آنذاك المنهار أدى إلى تسليم عقاراتهم للجهات المقرضة، كذلك على الساحة الأميركية عام 2008 إثر الأزمة العقارية التي ضربت العالم وليس فقط أمريكا، وهو ما جعل البنك الاحتياطي الفيدرالي يرفع الفائدة بشكل تدريجي حتى لا تكون مدمرة للسوق العقاري، رغم ذلك أدى ارتفاع الفائدة في الولايات المتحدة إلى انخفاض مبيعات المنازل الجديدة 50 في المائة نتيجة مصاعب التمويل وإعادة التمويل.
لكن ضخت السعودية دماء جديدة في سياق إستراتيجيتها الموسعة لتنويع اقتصادها المعتمد على النفط بتأسيس كيانات وجعله اقتصادًا مستدامًا، وحظي القطاع العقاري بدفعة كبيرة قوية عبر حوافز مرحلية هي في صميم خطة الإصلاح التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي جرى إطلاقها في 2016 ارتفعت محفظة القروض العقارية لدى البنوك إلى 658 مليار ريال أي تضاعفت ثلاث مرات في غضون خمسة أعوام.
حظي النصف الأول من عام 2022 زيادة طلبات البناء المستدام 380 في المائة ونحو 200 في المائة معدل العام كاملاً، نتيجة النجاحات التي حققتها الدولة من خلال التمويل وتنويع المنتجات السكنية من أجل رفع نسب تملك مواطنيها للمساكن مستقبلاً التي تجاوزت 62 في المائة بآليات وطرق مميزة، وأنفقت نحو تريليون دولار قيمة المشاريع العقارية والبنية التحتية منذ 2016 وفق نايت فرانك، وتهدف لرفع نسب التملك إلى 70 في المائة بحلول 2030، وأن تصل بالقطاع السياحي إلى النسبة المتوسطة العالمية في القطاع بـ10 في المائة، ليرتفع من 4 في المائة حاليًا، وفي بعض الدول كفرنسا وإسبانيا تصل النسبة إلى 15 في المائة من الناتج المحلي من أجل أن يضيف القطاع السياحي في الناتج المحلي السعودي نحو 70-80 مليار دولار بحلول عام 2030.
خصوصًا أن السعودية تشهد طفرة غير مسبوقة في البناء والمشاريع العمرانية التي ستعيد تشكيل مستقبل السعودية والمنطقة والتي تقدر قيمتها بأكثر من 4.87 تريليون ريال جعل السعودية استقطبت أكثر من 550 شركة عالمية من 43 دولة للدورة الثانية والثلاثين لمعرض البناء السعودي والفعاليات المصاحبة في نوفمبر 2022.
هناك تطلعات سعودية لدور المنظومة العقارية في جذب الاستثمارات الأجنبية فأقامت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان منتدى مستقبل العقار في 23-1-2023 بنسخته الثانية لبحث تنمية واستدامة العقار، بمشاركة أكثر من 30 دولة و100 من المتحدثين وصناع القرار، ويسهم هذا المنتدى في استقطاب الشركات الأجنبية للاستثمار بالسعودية في القطاع العقاري بصورة عامة والسكني بصورة خاصة حيث يمثل القطاع العقاري ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني، وهو أكبر قطاعات الاقتصاد غير النفطي، وثاني أكبر قطاعين يفتتحان فرصاً وظيفية لشباب الوطن بعد القطاع التجاري.
يأتي انعقاد المنتدى تزامناً مع بدء سريان نظام الوساطة العقارية الذي يعد من أبرز الممكنات لتطوير القطاع العقاري وحوكمته ورقمنة عملياته، ليكون القطاع العقاري في السعودية حيوياً وجذاباً، ومحفزاً للاستثمار، من أجل تحقيق الشفافية الكاملة لرفع كفاءة القطاع العقاري، خصوصاً أن الوزارة بصدد التوصل مع هيئة السوق المالية لنظام المساهمات العقارية لا سيما في ظل نجاح الصناديق العقارية التي تمتلك 142 مليار ريال كأصول، والبورصة العقارية تغطي جوانب نقص المعرفة وتزيد شفافية البيانات، خصوصاً أن البنك المركزي يسهم في تقديم منتجات ابتكارية تقلل على المطورين والمستفيدين التكلفة التمويلية لمعالجة ارتفاع نسب الفوائد.
ووقع عدد من الجهات مذكرات تعاون واتفاقيات تتجاوز 10 مليارات ريال في مجال التطوير العقاري وتقنيات البناء، وإنشاء 4 صناديق استثمارية لتطوير مشروعات تجارية وسياحية ووحدات سكنية في السعودية، واتفاقيات مع القطاع الخاص لبناء فنادق في الرياض بقيمة 50 مليار ريال حتى 2026 لمواكبة القطاع السياحي، كذلك وقعت شركة تاون تاون السعودية إحدى الشركات المملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة مذكرة تفاهم مع الشركة الوطنية للإسكان في 12 مدينة.
وهناك عمل جار بين وزارة الصناعة ووزارة الطاقة لتطوير منتجات من البتروكيماويات لإنتاج بدائل تستخدم في البناء والتشييد، ليكون هذا القطاع داعماً للاستدامة الطلب، وفي الوقت نفسه ربط المقاولين والمطورين العقاريين مع المصانع وموردي المواد وتقنيات البناء لغرض دعم المحتوى المحلي وتوطين الصناعة بهدف زيادة الكفاءة في الإنتاج، وتوفير خيارات لشراء مواد البناء بأسعار تنافسية خاصة لمشروعات الإسكان تسهم في تخفيض قيمة الوحدات السكنية لزيادة نسب التملك لتلافي رفع نسب الفوائد.