حسام الحجيلان
سوف يكون موضوع مقالي عن نظام التكاليف القضائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم: (م/16) وتاريخ: 1443/01/30هـ، والذي نشر بجريدة أم القري بتاريخ: 1443/02/10هـ الموافق: 17/09 /2021م، والذي سيبدأ سريانه بتاريخ: 1443/08/10هـ الموافق: 2022/03/13م، والذي يتضمن (23) ثلاثاً وعشرين مادة، وسوف تأتي لائحته التنفيذية مفسرة وموضحة لنصوصه.
التكاليف القضائية وفق المادة الأولي من النظام هي مبالغ مالية يلتزم المكلف بدفعها إلى الإدارة المختصة، وفقاً لأحكام النظام واللائحة. ولا تشمل ما يطلب منه أثناء سير الدعوى من تكاليف يستلزمها الفصل فيها، وذلك في كل دعوى مرفوعة أمام المحاكم، بشأن الطلبات والتي تتمثل في كل ما يقدمه الخصوم وغيرهم من طلبات أمام المحاكم مما لا يدخل في الدعوى.
وتسري أحكامه وفق المادة الثانية على جميع الدعاوى والطلبات التي تقدم إلى المحاكم، فيما عدا ما يأتي: الدعاوى الجزائية العامة، والدعاوى التأديبية، والطلبات المتعلقة بها، والدعاوى والطلبات التي تختص بها محاكم الأحوال الشخصية، عدا طلب النقض وطلب التماس إعادة النظر، والدعاوى والطلبات التي يختص بها ديوان المظالم، والدعاوى والطلبات المتعلقة بدعاوى قسمة التركات، عدا طلب النقض وطلب التماس إعادة النظر، والدعاوى والطلبات الناشئة عن تطبيق أحكام نظام الإفلاس، والإنهاءات وما يتعلق بها من طلبات، ومن ثم فالمحاكم التي ينطبق عليها نظام التكاليف هي المحاكم العامة والتجارية والتنفيذ، وفيما يتعلق بمحاكم الأحوال الشخصية لا يطبق النظام على الدرجة الأولى والاستئناف فقط، أما طلب النقض وطلب التماس إعادة النظر فيسري عليهم النظام.
ووفقاً للمادتين الثالثة والرابعة، تفرض التكاليف على الدعوى بمبلغ لا يزيد على ما نسبته (5 في المئة) من قيمة المطالبة، وبحد أعلى مبلغ مليون ريال.
وتحدد اللائحة معايير تقدير التكاليف القضائية والضوابط والقواعد المنظمة لذلك في إطار نصوص النظام. وإذا قررت المحكمة شطب الدعوى، أو حكمت باعتبارها كأن لم تكن، أو بعدم قبولها لعدم تحريرها؛ فتفرض تكاليف قضائية إضافية في حال نظرها مجدداً بما يعادل نسبة (25 في المئة) من تكاليف نظر الدعوى في المرة الأولى عند النظر مجدداً، ويتحمل المدعي التكاليف الإضافية لنظرها ولو حكم لصالحه في موضوع الدعوى، ونجد كذلك أن الطلبات أثناء سير الدعوى تكون مدفوعة أي خاضعة للنظام بحد أعلى (10.000) ريال لبعض الطلبات كالنقض والتماس وإعادة الالتماس وتصحيح وتفسير الأحكام. ويطبق النظام أيضاً على طلبات من له مصلحة في الدعوى لا تزيد على (1000) ريال، وذلك مثل النسخ البديلة للوثائق القضائية وغيرها.
ولا أُخفي عليكم أننا أصبحنا في حاجة ماسة الى مثل هذا النظام، والذي أستطيع القول من خلال عملي بالمحاماة لعقود إنه سيؤدي إلى تغيير جذري في شكل التقاضي بالمملكة، من خلال المساهمة في رفع كفاءة العمل القضائي، وجودة إجراءات الدعاوى القضائية، والحد من الدعاوى الكيدية والصورية، وكذلك إدخال برامج كثيرة جذرية كإشراك القطاع الخاص في الأعمال المساندة لقضاء التنفيذ وتطوير شركاء المنظومة العدلية وإنشاء مركز الإسناد والتصفية ومنظومة خدمات السجناء وغيرها من البرامج التي بدأ العمل ببعضها، مما سيسهم في الوفاء بالحقوق والحد من تدفق الدعاوى الكيدية والصورية، ومن ثم رفع الكفاءة القضائية ويحقق العدالة الناجزة، في ظل أننا نعاني من بعض العدالة البطيئة.
فهذا النظام لن يهدر مجانية التقاضي، على اعتبار أنه حق مكفول للجميع في القضايا التي لا تخضع للنظام الجديد، وعلى اعتبار أن فكرة فرض الرسوم تقوم على عدم التعارض بين التكاليف القضائية ومبدأ مجانية التقاضي، ولا تؤثر عليها، إذ يهدف النظام إلى الإسهام في رفع مستوى الإنجاز في المحاكم، والحد من الدعاوى الكيدية. وكأي نظام لا بد أن يكون له مؤيدوه ومعارضوه، ومزاياه وعيوبه، وسوف أوضح من خلال هذا المقال أهم المزايا والعيوب، مع إجراء مقارنة بينهما، وأيهما أفضل: هل إصداره أم عدم إصداره؟
فمن أهم مزاياه: أنه يحد كثيراً من الدعاوى الكيدية والصورية، ومن ثم تخفيف العبء عن المحاكم بأنواعها المختلفة، والحد من تدفق القضايا، وما سيترتب على ذلك من سرعة إنجاز الفصل في الدعاوى، والحد من العدالة البطيئة، وتوجيه أطراف الدعاوى القضائية إلى اتخاذ طريق الصلح لإنهاء نزاعاتهم، والصلح خير، وأصبح السبب الرئيسي لانقضاء الدعاوي، والحث على توثيق وإثبات العقود والمعاملات، والمساهمة في تطوير مرفق القضاء والذي بدأ مع مشروع الملك عبد الله - طيب الله ثراه - وما زال مستمراً في ظل حكم خادم الحرمين وولي عهده الأمين، مدعماً لرؤية المملكة 2030م، وكذلك تفعيل وسائل تسوية المنازعات البديلة كالتحكيم والوساطة والتسوية الودية وغيرها.
أما عن أبرز عيوبه: فالعيب الوحيد الذي يذكره ويبرزه معارضو ومنتقدو هذا النظام، أن سيمثل المساس بمبدأ مجانية القضاء، مما سيشكل عبئاً على المتقاضين قد تعيقهم عن استيفاء حقوقهم، وأن هذا يناقض كون حق التقاضي سهلاً وميسوراً للجميع، وأن على الدولة أن تزيل كل المعوقات المالية ضماناً لاستيفاء الحقوق.
وفي رأيي الشخصي أن هذا النظام لا يهدر ولا يخل بمبدأ مجانية التقاضي، ولا يخالف المادة (47) من النظام الأساسي للحكم رقم: أ/90 وتاريخ: 27/ 08 /1412هـ، بأن: «حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة»، فهذه التكاليف القضائية سوف يدفعها الطرف الخاسر (م/ 13/1)، ولا تخل بمبدأ المساواة أمام الفضاء، ومن ثم تكون بمثابة عقاب عن عدم إعطاء كل ذي حق حقه، فهذه التكاليف ليست رواتب للقضاة ومعاونيهم، وإنما هي لتطوير مرفق القضاء والحد من الدعاوى الكيدية والصورية، فولاة أمرنا هم من يتحملون سداد رواتب القضاة ومعاونيهم، كما أنهم قد راعوا أن تكون هذه التكاليف تتناسب مع كافة المقيمين على الأراضي السعودية من مواطنين وأجانب، بل وكذلك إعفاء بعض الدعاوى منها كما جاء بالمادة الثانية من النظام سالفة الذكر.
وقد جاءت المادة السابعة عشرة من هذا النظام لتؤكد عدالته وعدم مساسه بمجانية القضاء، وذلك من خلال نصه على إضافة حالات إعفاء أخرى، حيث بهذه المادة: مع مراعاة ما تقضي به الأنظمة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تكون المملكة طرفاً فيها، لا تفرض التكاليف القضائية على الفئات الآتية: المسجونون والموقوفون وقت استحقاق التكاليف القضائية في قضايا مالية غير جنائية، في الدعاوى التي تقام سواءً كانت منهم أو عليهم، والعمال المشمولون بنظام العمل والمستثنون منه والمستحقون عنهم؛ للمطالبة بمستحقاتهم الناشئة عن عقود عمل، والوزارات والأجهزة الحكومية، وقضايا الأحوال الشخصية في الدرجة الأولى والاستئناف، وتحدد اللائحة الإجراءات والقواعد الخاصة بذلك، ونجد أن ما سبق ذكره يمثل قدراً كبيراً من الطمأنينة للمعارضين والمنتقدين، من أن هناك مراعاة لذوي الدخل المحدود وذوي الحالات المستحقة للإعفاء.
وختاماً إن هذا النظام هو خطوة في الاتجاه القضائي الصحيح، وسيؤدي بعد سريانه وصدور لائحته التنفيذية لحفظ الحقوق وحماية الكثير من بطش مدعى التقاضي بالباطل، وتفرغ القضاء السعودي للفصل في المنازعات الفعلية، وأنه سوف يؤدي إلى وجود بيئة قانونية قضائية جاذبة للاستثمار الأجنبي، في ظل كون ذلك ضمن أهم أهداف المملكة وفق رؤية 2030م.
والله ولي التوفيق.