حسام الحجيلان
صدرت منذ أيام قليلة تصريحات بأن حكومة خادم الحرمين الشريفين عازمة على إيقاف التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة في غير المملكة العربية السعودية، وذلك ابتداءً من تاريخ: 01-01-2024م، ويشمل ذلك الهيئات والمؤسسات والصناديق التابعة للحكومة أو أي من أجهزتها.
وقد تلقى الاقتصاد الوطني وقيادات الحكومة هذا التوجه بإيجابية عالية جداً، ونؤيد هذا العزم والقرار والذي نرى أنه قد جاء متأخراً، وأنه يأتي متفقاً مع إعلان مستهدفات إستراتيجية الرياض 2030م، فخلال منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار الذي عُقد منذ مدة وجيزة، تم خلاله الإعلان عن عزم (24) شركة عالمية نقل مقراتها الإقليمية إلى الرياض، وسيعتبر هذا القرار نقطة تحول هامة وفارقة في التاريخ المعاصر للاقتصاد السعودي، الذي طالما وقف التأخر عن اتخاذه طوال عقود زمنية مضت كثيراً من التحديات والمعوقات، وحرم الاقتصاد السعودي من مزايا كثيرة ومتعددة.
والمقصود بالمقر الإقليمي، وهو مقرّ الشخص المعنوي (الشركة)، أي المكان الذي يوجد فيه مركز الإدارة الرئيسي الفعلي للشركة أو المؤسسة التجارية.
ومما لا شك فيه أن هذا القرار لن يؤثر على قدرة أي مستثمر أجنبي في الدخول بسهولة ويسر إلى الاقتصاد السعودي أو الاستمرار في التعامل مع القطاع الخاص، فهو قاصر على الهيئات والمؤسسات والصناديق التابعة للحكومة أو أي من أجهزتها، وسيتم إصدار الضوابط المتعلقة بذلك خلال هذا العام 2021م.
ويأتي هذا القرار من منطلق حرص ولاة الأمر على دعم بناء اقتصاد مزدهر؛ متعدد الموارد والروافد، وليس قاصراً على مورد واحد فقط، في ظل إمكانيات وموارد طبيعية وبشرية مهولة، وذلك كإحدى الركائز الأساسية لرؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وهذا من منطلق حرصه على توفير بيئة استثمارية نموذجية جاذبة للاستثمارات الأجنبية، خاصة مع الجهات الحكومية، في ظل تعاقدات بقيم عالية، ووجود تربة خصبة لتزايد عقود الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مما سيسهم في خفض التكلفة المالية اللازمة لأجل عقد وإتمام التعاقد مع تلك الشركات الأجنبية، ويرفع بدوره كفاءة الإنفاق الحكومي بصورة ملموسة، خاصة إذا ما نظرنا إلى الحجم الكبير جداً للإنفاق الحكومي الجاري والتشغيلي عموماً، والتكاليف المالية العالية التي عادة ما يتطلبها تنفيذ مثل تلك العقود خاصةً.
فالهدف من هذا القرار هو زيادة القاعدة الاقتصادية وتوفر فرص عمل لجميع السعوديين، وتعزيزاً لمكانة الاقتصاد السعودي الذي بات يتفوق على غيره من اقتصادات الشرق الأوسط في مقدرته على استقطاب المزيد من الشركات والاستثمارات العالمية لتكون مقراً إقليمياً رئيسياً لأعمالها وأنشطتها بالمنطقة.
ويمكن أن نوضح أن إيجابيات هذا القرار والهدف منه والمتمثل في وجود مقرات إقليمية لكبريات الشركات العالمية بالمملكة، بأنه سيسهم في استقطاب مزيد من الشركات والاستثمارات العالمية إلى داخل الاقتصاد الوطني، والمتوقع أن ترتفع قيمتها إلى أعلى من الحدود التي وصلت إليها حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي 2020م، التي بلغت نحو (900.000.000.000) تسعمائة مليار ريال.
وهذا بدوره سينعكس إيجاباً على توليد مئات الألوف من فرص العمل للمواطنين ذكور وإناث، وتقليل البطالة بنسبة كبيرة، وزيادة نسبة المحتوى المحلي ونقل الخبرة والمعرفة للشباب الوطني، الذي يمثل عماد الدولة ورأس الحربة لها، مما سيؤدي إلى تحسين مستويات دخل الأفراد.
يضاف لذلك أنه سوف يُعطي ميزة تنافسية للشركات ذات المقرات الإقليمية بالمملكة من الاستفادة من متانة الاقتصاد السعودي وقوة مركزه المالي، بما لا يؤثر على قدرة أي مستثمر في الدخول للاقتصاد السعودي أو استمراره، بما يضمن أن تكون الخدمات والمنتجات الرئيسية التي يتم شراؤها من قبل الأجهزة الحكومية المختلفة من الشركات العالمية يتم تنفيذها على أرض المملكة وبمحتوى محلي مناسب، ما سيرفع من جهود التوطين وخلق الوظائف وتنمية المحتوى المحلي.
وأن من الأرجح أيضاً أن وجود المقرات الإقليمية للشركات سوف يكون له في حفظ السرية المطلوبة خاصة في العقود المرتبطة بالأمن الوطني من عقود عسكرية وأمنية، بالإضافة للعقود ذات الطابع التقني والتي في حالة معينة تستلزم أن تتم معالجة تلك الخدمات على أرض الوطن وألا تكون تلك الخدمات والأعمال التقنية عابرة للحدود لما تحتويه بالتطبيق والتشغيل.
كذلك سيؤدي إلى استفادة رؤوس الأموال الأجنبية من افتتاح مقراتها الإقليمية داخل السعودية، مع تواجد القيادات الإقليمية العليا للشركات العالمية في المملكة بما سيُسهم في تسهيل الإجراءات وسرعة اتخاذ القرارات وفهم حاجات السوق السعودية بشكل أكبر، بما ينعكس على توسعة تلك الاستثمارات؛ الأمر الذي من شأنه الحد من التسرب الاقتصادي، ويعمل على تنمية القطاعات الجديدة.
وذلك من قبل أن تتم عملية الإقراض وأخذ التمويل اللازم من البنوك المحلية مما سيكون داعماً لهذا القطاع ويقلل الاعتماد على المصارف العالمية والإقليمية مما سيخفف من المتاعب والخلافات التي قد تحدث.
علماً بأن حكومة المملكة سوف تتيح الفرصة كاملة أمام رؤوس الأموال المتعاقد معها؛ لدراسة خياراتهم، ولعدم التأثير على تعاقداتهم الحالية بتحديد موعداً زمنياً للتطبيق هو تاريخ: 1 يناير 2024م، أي أن تنفيذه وتطبيقه سيكون بعد أقل من ثلاثة أعوام، وحسناً فعلت الحكومة فهذه المهلة تتسم بالمرونة، وأن الشركات تقيم الوضع وتوفق أوضاعها قبل قرارها المصيري بنقل مقرها الإقليمي للمملكة.