حسام صلاح الحجيلان
بمناسبة انعقاد مؤتمر "قيادة التحول الرقمي في المنطقة" الذي ينعقد في الرياض اليوم 07 نوفمبر الحالي، وأيضاً الأفكار التي ترتبط بهذا المؤتمر من تطوير الاقتصاد السعودي لكي يواكب الدول المتقدَّمة، ومن هذه الأفكار والأهداف تحويل الشركات والمنشآت التجارية إلى شركات رقمية، وذلك تلبية للنداءات التي تُنادي على المستوى الدولي بسرعة التحول إلى الشركات الرقمية حيث إن تأخر الشركات في التحول إلى شركات رقمية يعوق استمرارها ونجاحها، ولذا بدأت بعض الشركات بالكاد التحول الرقمي الخاص بها، واعتمدت العديد من الشركات على اتباع نهج تدريجي، ومن أمثلتها شركة الاتصالات السعودية STC، التي طبقت مبادرة فكرة أوتيك في إحدى المبادرات التي تتوافق مع رؤية المملكة 2030، ويضاف إليها العديد من الشركات على مستوى الخليج، والتي تتبع أيضاً هذا النمط، ووصلت أقلية منها إلى مرحلة التحول الرقمي، وهذا يدفعنا إلى استشراف وضع المملكة العربية السعودية وهل يمكن للشركات التقليدية أن تتحول إلى شركات رقمية، وكيف يتم ذلك؟
على الشركة الراغبة في أن تصبح شركة رقمية بعد أن تقرر المكانة التي ترغب في الوصول إليها، عليها أن تبني على نقاط القوة المتواجدة لديها، ويجب على الشركات أن تحدد مكان تواجد القيمة الأكبر من الرقمنة، للوصول إلى الهدف، كما يجب ابتكار محرك لدفع الرقمنة من خلال وضع الهيكلية النظامية المناسبة للقيادة والحوكمة التي تمكنها من تحقيق التعاون والسرعة، والتوافق مع الأنظمة السعودية.
أولاً: تعريف الشركة الرقمية، هو مصطلح للمنظمات التي تنجز المعاملات التجارية الرئيسية، مع الموظفين، والعملاء والموردين وشركاء العمل الآخرين، من خلال الشبكات الرقمية، وهذه الشبكات الرقمية يتم دعمها من خلال برامج تكنولوجية تتوافق مع نوع المؤسسة، والتي ترفع من مستوى المنظمة لدعم الخدمات، ووظائف الأعمال المهمة.
ومن أمثلة هذه البرامج، إدارة علاقات العملاء Customer Relationship Management (CRM), إدارة سلاسل التوريدات، Supply Chain Management (SCM), تخطيط موارد المؤسسات Enterprise Resource Planning (ERP)، نظام إدارة المعرفة، Knowledge Management System (KMS)، إدارة المحتوى بالمؤسسة، Enterprise Content Management (ECM)، نظام إدارة المستودعات، Warehouse Management System (WMS)، والغرض من هذه البرامج هو التكامل على نحو سلس، وتبادل المعلومات داخل المؤسسة بين الموظفين، وخارج المؤسسة للعملاء والموردين وشركاء الأعمال الآخرين. ولقد نشأ مصطلح الشركة الرقمية، كمفهوم ضمن سلسلة كتب أنظمة إدارة المعلومات Management Information Systems (MIS) من تأليف Kenneth C. Laudon، عام 2009م.
وقد قام بوصف المنظمات التي تعمل بشكل مختلف عن النموذج التقليدي، في ظل التغيرات الجذرية في التكنولوجيا والأسواق العالمية.
ثانياً: الأداء التنظيمي للشركة الرقمية وأهميته، نظم تكنولوجيا المعلومات تخدم العديد من الأدوار المهمة في الشركة الرقمية، ولذا الشركات الرقمية تضع جل اهتمامها على رقمنة العمليات وخدمات رجال الأعمال من خلال التكنولوجيا، ونظم المعلومات المتطورة، التي بدورها تخلق فرصة للشركات الرقمية لتطبيق اللامركزية في عملياتها وتنشيط الاستثمارات على نحو يتوافق مع استعدادات السوق.
ومن خلال الشبكات الرقمية ونظم المعلومات فالشركة الرقمية قادرة على تشغيل أعمال الخدمات الأساسية، بشكل مستمر وأكثر كفاءة، وكذلك القدرة العالية على تحليل الأحداث التشغيلية عند حدوثها، والقدرة على إدارة المخاطر، وذلك من خلال رقابة الأداء التشغيلي وتقييم المخاطر التشغيلية، وكذلك تخطيط موارد المؤسسة.
ومن ثم هذا التمكين الرقمي للعمليات التجارية يخلق نظم معلومات وديناميكية تجعل الإدارة أكثر كفاءة والمنظمة أكثر إنتاجية، بالإضافة إلى ذلك التمكين الرقمي للمنظمة يساعد على استمرار العمل، (تحول الوقت)، إتاحة الأسواق العالمية (تحول الفضاء)، خلق القيمة التجارية من الاستثمارات في التكنولوجيا، تحسين الكفاءة في المخزون، وسلسلة التوريد، تعزيز إدارة علاقة العملاء، تحسين نظام الإنتاجية.
ومن الجدير بالذكر أن اعتماد التكنولوجيا من قبل الشركات الرقمية في ازدياد بشكل مستمر لتحقيق مستويات أعلى من الإنتاجية وتوفير في التكاليف، وتحسين الأداء التشغيلي، وتحقيق التنافسية، ولكن ما يجب ملاحظته أن الاعتماد المتسارع على التكنولوجيات المتطورة من قبل المؤسسات يخلق الفجوة الرقمية.
حيث إن امتصاص التكنولوجيات الناشئة يكون بمعدلات مختلفة من قبل المؤسسات وهذا الاختلاف يؤثر على ديناميكية القدرة على المنافسة في السوق بين الشركات، وما يجب ملاحظته أن هناك دولاً متقدمة عديدة ومنها الولايات المتحدة قطعت شوطاً طويلاً في هذا الشأن، حيث بلغت نسبة الاستثمار المحلي بالولايات المتحدة الأمريكية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بناء على تقرير مكتب الإحصاء الأمريكي زيادة 170 في المائة بين عامي 1990، 2006م، ونفس التوجه من قبل الاتحاد الأوروبي.
وذلك مؤشر واضح على أهمية، وتسارع رقمنة الشركات، وهذا يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي كيف يتم تأسيس أو تحول الشركة إلى شركة رقمية، والحقيقة أن هذا السؤال يحتاج إلى مجلد للإجابة عنه، لكن للتبسيط. سيتم ذلك من خلال محورين أساسيين:
المحور الأول: وهو المحور التشريعي:
بمعنى أن تكون البيئة التشريعية صالحة لرقمنة الشركة، والبيئة التشريعية المقصودة هنا هي التشريعات ذات الصلة بأنشطة الشركات على نحو عام، مثل نظام غسل الأموال، والإفلاس، ونظام حماية البيانات، والأسرار التجارية، وأنظمة الحوكة، وهناك أيضاً التركيز على العقد، والمسؤولية، وأنظمة الملكية الفكرية بالنسبة للرقمنة، ونظام العمل، والضرائب، والمنافسة، ونظام منع الاحتكار.
وعلى نحو خاص، نظام الشركات، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م-3) بتاريخ 28-1-1437هـ. وما يجب ملاحظته أن هذه البيئة التشريعية على الرغم من أن المنظم السعودي قطع شوطاً متقدماً إلا أنها ما زالت تحتاج إلى جهد أكبر لمسايرة التقدم الحادث بالنسبة لرقمنة الشركات بالدول المتقدمة.
ويتم ذلك من خلال التحول من الوثائق التقليدية الورقية إلى الوثائق الإلكترونية، واعتمادها في تأسيس الشركة، وتقديم المتطلبات الواجب توافرها نظاماً من خلال الإنترنت، وكذلك إتاحة المعلومات المحدثة لقطاع الأعمال.
ويمكن للشركات والمساهمين وأصحاب المصالح التواصل إلكترونياً، وأيضاً تؤخذ وتصدر القرارات بشكل إلكتروني، دون الحاجة للتواجد الفعلي، خاصة في ظل الشركات التي تعمل على نطاق عالمي، حيث إنه قد يكون هناك مساهمون قادمون من ولايات قضائية مختلفة غير الولاية القضائية للشركة، وكذلك ليتم التعامل مع مزيد من أصحاب المصالح من مختلف الولايات القضائية الذين لهم مصلحة في فحص المعلومات عن هذه الشركة.
ولذا نجد أن كثيراً من أحكام نظام الشركات السعودي ذات الصلة تحتاج إلى تغيير لرقمنة الشركات، وذلك لإتاحة المعلومات وسهولة الوصول إليها إلكترونياً، خصوصاً بين الشركات مع بعضهم البعض ليس فقط بالنسبة للشركات المدرجة في السوق المالية، ولكن أيضاً بالنسبة للشركات الصغيرة ومع المساهمين وتواصل المساهمين مع الشركات، وذوي المصالح، لذا من المهم ألا يعمل نظام الشركات السعودي كعائق لمسيرة الشركات الرقمية.
المحور الثاني: على مستوى بيئة الشركة الرقمية.
(أ) من الناحية النظامية (القانونية): تأسيس شركة رقمية أو التحول إلى شركة رقمية يحتاج الإلمام التام بالبيئة التشريعية داخل المملكة العربية السعودية، حتى لا تصطدم الشركة بالأنظمة وتصبح تحت طائلة النظام، كما أنه يجب يتم اتخاذ القرار ووضع اللوائح النظامية بداية من عقد التأسيس مرورًا بالنظام الأساسي للشركة، وفقاً للأنظمة واللوائح، حتى تتمكن الشركة من القيام بالعديد من التصرفات النظامية في شكل إلكتروني، ومنها الإخطار لاجتماع المساهمين أو فئة من المساهمين، تعيين وكيل أو ممثل لحضور اجتماع أو ممارسة حقوق المساهمين أو إلغاء تعيينهم؛ كذلك التصويت، وحق المساهمين في إضافة بند إلى جدول أعمال اجتماع أو إضافة حل لوضعه في اجتماع أو لطرح سؤال في الاجتماع؛ حق المساهمين في المشاركة بالاجتماع؛ الحق (إن وجد) لتلقي إخطارات بنتائج الاجتماع؛ وكل الأمور المرتبطة بالإدارة، وكذلك الحق في الحصول على حسابات الشركة، التقرير السنوي أو المعلومات المالية الأخرى؛ أي من المعلومات المقدمة من قبل الشركة المتعلقة بممارسة الحقوق من قبل المساهمين، ممارسة الحقوق من قبل المساهمين بإرسال إخطار للشركة، الدعوة لتعيين لشخص للتحقيق في شأن من شؤون الشركة؛ التواصل مع موظفي الشركة... الخ.
(ب) على مستوى الإدارة:
- تخطيط موارد المؤسسة: يمكن أن تكون عملية تخطيط موارد المؤسسات معقدة وتتطلب تحولاً كبيراً في العمليات التجارية للمنظمة ولكن الفوائد التي يمكن جنيها تكون كبيرة، لأنه بعد تنفيذ نظام تخطيط موارد المؤسسة، فيصبح هناك قياس الأداء والإنتاجية التي تكون مرتبطة مباشرة بنظام بتخطيط موارد المؤسسة، وقد توصلت دراسات عديدة إلى أن هناك علاقة سببية مباشرة بين نظم تخطيط موارد المؤسسة ومكاسب الأداء في المؤسسة.
- إدارة علاقات العملاء: المؤسسة تعمل على تعزيز أنظمة إدارة العلاقات بالعملاء لتحسين الإدارة العامة للعلاقات مع العملاء، والشركة الرقمية تتيح فرص إدارة وكثب جميع جوانب التفاعل مع العملاء من خلال العمليات التجارية الموجهة لصالح العملاء.
- إدارة سلسلة التوريدات: الشركة الرقمية تستطيع أن تزيد من القدرة على إدارة سلسلة التوريد حيث اتضح أن التكنولوجيا وأنظمة المعلومات كان لها تأثير كبير على الإنتاجية والأداء داخل المنظمة.
(ج) على المستوى التقني: يتضمن الاستثمار بالتقنيات الرقمية بعض المخاطرة، ولتأمين هذا النوع من الاستثمارات على الشركات أن تتبنى منهجاً يأخذ هذه المخاطر بعين الاعتبار ويتقبلها، ففي العالم الرقمي يجب أن تكون أكثر استعداداً للمخاطرة، فعندما تطلب من مجلس الإدارة الاستثمار في شيء لا يفهمونه تماماً عليهم أن يدركوا أن المخاطرة هي جزء من رحلة التحول، ولكن في ظل أعمال الأمن الرقمي.
تم بحمد الله.