ميسون أبو بكر
منذ نعومة أظفاري وأنا أتلقى قصص نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بطرق رائعة وقصص جميلة مقربة من قلبي جداً وأنا ما زلت ذلك الوقت طفلة لم ينضج وعيها ومداركها، فلم تكن سيرته تلقيناً أو حصة دينية فحسب، بل برعت أمي ومعلّماتي لجعله نموذج البطل، وقد ربطوا القيم بسلوكه وقصص من حياته. معروف أن الطفل يتعلق كثيراً بنموذج البطل، وكانت تربيتي راشدة ومدروسة بحيث تعلق قلبي بهذا الرسول الكريم الذي أرسله الله عز وجل هدى ورحمة وخلاصاً للناس من الظلمات وما كانوا فيه، فتأملت كثيراً بآيات الله ونواهيه وأدركت أن الإنسان لا بد أن يكون كتلة من محبة وعطاء، وبئس أولئك الذين لا يقتدون به ويملأ قلبهم الحقد والكراهية والغل والأذى والكذب، وكل ما لا يمت لنبيّنا الكريم بصلة. قصة لا تبرح مخيلتي وكانت أمي بارعة أن تحرك عواطفنا كلها وهي تحكي لنا يوم ولادة محمد وجده عبدالمطلب يطوف حول الكعبة والقمر ألقى خيوطه الفضية حولها وجده يدعو، ثم ولد نبياً للأمة وكان النور الذي ملأ الكون، ثم حكاية الكاهن الذي رآه في إحدى رحلات التجارة التي كان يذهب إليها وسحابة تظلله دون غيره وتتبعه.
حاولت جهدي لأفتح نقاشاً مع الطبيبة الفرنسية في المستشفى (في فرنسا) بعد العملية الإرهابية التي قام بها شاب مسلم في نيس الفرنسية، أردت ان أوصل رسالة بطريقة سلسة بعيدة عن التعصب أو الجدل، أو اتهام الرئيس الفرنسي بالإساءة نتيجة تصريحاته حول الرسوم المسيئة والتي كان يقصد منها ان فرنسا بلد الحريات، حكيت لها بطريقة بريئة من هو نبينا الذي أزعجنا أن يساء إليه، وقصص لصقت بذاكرتي وكانت ضمن نسيج قوي غزلته طفولتي عن النبي الكريم، سردت لها قصته مع عائشة التي كانت تقف على ظهره لتطل من خلف سور دارها على صبية تشاهدهم وهم يلعبون، ووفاءه وحبه لصديقه أبي بكر، وقصته مع جاره اليهودي حيث كان النبي يسأل عنه من وقت لآخر ويطمئن عليه إن غاب ويحسن إليه، وهي قيمة مهمة عن حق الجار يفتقر لها المجتمع الغربي، وكل هذه قصص لها دلالات عميقة وتأثير في الآخر، حيث إن الإسلام بريء من الإرهاب ومن الشاب الذي قتل الآمنين في دار العبادة، وإن هناك جماعات إرهابية تحت ستار الإسلام السياسي تقوم بغسيل مخ لهؤلاء الشباب الذين يسهل اختراقهم للقيام بمخططاتهم، وأوروبا لم تتخذ الإجراءات الحازمة بعد لمحاربة تلك الجماعات. وأنا متأكدة أن ذلك الشاب الذي قام بالعملية الإرهابية وغيره لم ينشؤوا على حب رسول الله بطريقة إنسانية صحيحة ليدرك حقاً أن نهج رسول الله ودينه براء من ذلك الفكر الإرهابي الذي هو عليه، وأن نبينا كان يوصي حتى وقت الحرب ألا تقطع شجرة ولا تقتل امرأة أو شيخ.
أنبش في ذاكرة طفولتي وأنا أكتب هذا المقال لأحكي كيف تلقيت دروسي الأولى عن رسول الله وأقصها هنا كما حفظتها، وأنا ممن يؤمن أن التربية سلوك، وأن الطفولة كعجينة سهل تشكيلها إن كان هناك معلمون قديرون وأسرة واعية تشرف على نشأة الطفل الذي لن يستطيع اختراق عقله في المستقبل عابث، وإن الحوار لغة إلهية ونهج حياة للمسلمين يستطيعون به محاجة الآخر وتغيير نظرته السائدة لهم، وإن سلوكهم الإنساني وأخلاقهم التي لهم في رسول الله القدوة الحسنة هي أبلغ لغة، فكونوا سفراء عن دينكم ونبيكم.