ميسون أبو بكر
فرض الحظر الشامل في فرنسا ونحن في إحدى مدنها الرئيسية في الجنوب، كان قرار الحكومة الفرنسية صدى لتداعي عشرات الآلاف من المصابين يوميا بكورونا، ووفاة العشرات وعجّت المستشفيات بالحالات الحرجة من كبار السن الذين يعانون من أزمات صحية مزمنة، فكانت الأعداد تفوق الطاقة الاستيعابية للمستشفيات مما أرهق طاقة الدولة التي استنفرت في حربين كبيرتين كورونا والإرهاب.
فزعت حينما أعلن الرئيس ماكرون فرض الحظر الشامل وبقيت في ترقب لتصريح آخر حول تفاصيل الحظر، فما قيمة أن يكون المرء بين أحضان الطبيعة الجميلة وهو ممنوع من الخروج والتجول وممارسة الرياضة والاستمتاع بأجواء المتوسط الجميلة هذا الوقت من العام!؟ ورغم أننا هنا في ظروف علاجية استثنائية في هذا الوقت الذي ينتفض العالم انتفاضة كبرى من كورونا وتعاني القارة العجوز من تفشّي هذا المرض بشكل جنوني إلا أن الرياضة بعيداً عن القاعات المغلقة والأجهزة كانت غايتي وسبيلي لتمضية الوقت ونوع من المتعة والترويح عن النفس؛ لكن إعلان الحظر الشامل في البلاد كان مفاجأة غير متوقعة أبداً، بعد تطبيق الحظر التام الليلي، حتى جاءت المفاجأة بالنسبة لي؛ فلم يكن الحظر الشامل يعني التوقف عن ممارسة الرياضة أو التسوق لحاجات المنزل، وقضاء الأمور الضرورية التي يصعب الاستغناء عنها؛ بل استمرت الحياة مع الثقة والصدق التي يمارسه الفرنسيون مع أنفسهم وحكومتهم.
المدارس استمرت بشكل طبيعي وتوقفت الجامعات والكليات واغلقت المحال ابوابها ما عدا محال الطعام والنظارات وورش البناء والسباكة والأمور الحياتية المهمة، وكي أخرج هنا لممارسة الرياضة أو التبضع للمنزل أو موعد طبي أو لقضاء أمر عاجل للمنزل فما علي الا أن أقوم بطباعة تصريح من موقع على الانترنت وأختار سبب خروجي من المنزل مع كتابة اسمي وعنواني وتوقيعي بقلم رصاص؛ وعند نيتي الخروج مرة اخرى اقوم بمحو المعلومات القديمة على الورقة وكتابة الوقت الجديد والسبب للخروج من المنزل، والاحتفاظ في الورقة معي في حال سئلت من رجال الأمن عن سبب خروجي من المنزل، والمفاجأة أن الجميع يلتزم بالتعليمات وأعداد من هم خارج المنزل محدودة ولأغراض ضرورية جدا ولا أحد يقوم باستغلال هذه التسهيلات بالخروج دون سبب.
المقاهي والمطاعم طوت مقاعدها وأقفرت الأرصفة من جلساتها، اللقاءات والأحضان والسلام الذي يشتهر به الفرنسيون في أوقات لقائهم لا وجود له الآن، وحتى جيران المبنى الواحد أوقفوا الزيارات تنفيذا للأمر الحكومي والرقيب أنفسهم، وأنا أعانق المدينة أو ما لا يزيد عن كيلو متر واحد بعيدا عن مقر إقامتي ساعة من الزمن كل يوم أعود بعدها لألوح لها من نافذتي.
الظاهر أن لكورونا فصولا وفصولا وأن الستار لن ينسدل قريبا على هذا الكابوس وإن لم يكن هناك وعي وتكاتف حقيقي وإجراءات احترازية كاملة لن يستطيع العالم أن يخرج بأقل عدد من الخسائر البشرية والمادية أيضا، أشتاق للرياض وأن أكون في حضنها وادعة آمنة مطمئنة والله كريم.