أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: حديث طلبة العلم عن مسائل العلم الشرعي في يوم الجمعة المبارك: عمارة للقلوب، وتمكن علمي في معرفة مسائل شرع الله وفق مراد الله سبحانه وتعالى (قال أبو عبدالرحمن: الوفق بفتح الواو بمعنى الموافق بكسر الفاء، والوفق هو الصاحب الموافق لك في علمك) الذي أنزل التوراة والإنجيل والقرآن هدى للناس، وأن الله لا يقبل بعد مجيء الإسلام غير الإسلام دينا، وأن اختلاف أهل الكتاب فيه إنما هو بغي بينهم بعدما جاءهم العلم من ربهم.. وخص اليهود بقتلهم الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه وبركاته، ولعائن الله تترى على قتلة الأنبياء؛ إضافة إلى كفرهم بآيات الله، وأن كل أهل الكتاب يدعون إلى القرآن ليحكم بينهم؛ لما أوتوه من الوحي السابق في كتبهم؛ فيتولى فريق منهم.. ثم بين حقيقة آل عمران ومريم وعيسى عليهم وعلى المرسلين والأنبياء صلاة الله وسلامه وبركاته، ثم أمر الله نبيه عليه الصلاة والسلام أن يدعو أهل الكتاب للمباهلة؛ فأحجموا؛ فكان هذا تأييداً لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، بهذه الآية المعجزة، وإلزاماً لهم بأنهم يكتمون الحق.. ولم أجد برهاناً على أن المباهلة لا تزال مشروعة؛ لأنها لم تقع؛ فنبقى على الأصل في مشروعيتها إذا كانت المباهلة عن الإيمان والكفر القطعيين، وهي مشروعية تعم الأديان الثلاثة ونحلهم بشرط القطعية واليقين من بطلانها في المسألة التي عليها الخلاف؛ وهي دعوى أهل الكتاب أنهم لم يكتموا ما في كتب الله إلى أنبيائهم عليهم السلام من وجوب اتباعهم عبدالله ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.. ولم تشرع المباهلة على أهل القبلة في مسائل الأمر فيها غير يقيني.. ثم قال سبحانه وتعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (سورة آل عمران/ 70 - 71)، وقال سبحانه وتعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (سورة آل عمران/ 86]، وقال سبحانه وتعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَاإِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (سورة آل عمران/ 93]، وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (سورة آل عمران/ 98 – 99]، وقال سبحانه وتعالى معرضاً بأهل الكتاب، وأن من ضمن تفرقهم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (سورة آل عمران/ 104 – 105).. وهم اليوم يأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف.. وقال سبحانه وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (سورة آل عمران/ 110 – 112).. وههنا ظن جمهور من المفسرين أن الحبل من الله ومن الناس بمعنى عقد الذمة، وأمان المسلمين لهم.. وهذا ينافي حقيقة الاستثناء من ضرب الذلة؛ والمحقق عندي: أن الذلة المضروبة إلى يوم القيامة خاصة بمن جاء السياق عنهم أنهم يقتلون الأنبياء؛ وهم اليهود؛ فهم منذ التنزيل شذاذ آفاق؛ فالحبل من الله فيما تجلى العلم به في هذا العصر، وهو ملك النصارى هذا العلم المادي القاهر بقضاء الله القدري الكوني، والحبل من الناس هو التلاحم بين أهل الكتابين مع بقاء طائفة من المسلمين على الحق منصورة.. ولما كانت أحكام الله لا تخذ من نص واحد، بل تضم النصوص بعضها إلى بعض: علمنا أن هذين الحبلين مؤقتان، وأن دولة الإسلام بإذن الله عائدة ولا بد.. وقال سبحانه عن عناد يهود وكتمانهم ما عندهم من الح: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} (سورة آل عمران/ 181 - 184)، وقال سبحانه وتعالى: {وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} (سورة آل عمران/ 187]، وقال سبحانه وتعالى عن أهل الخير من أهل الكتاب: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (سورة آل عمران/ 199]؛ وهذا حدث ولا يزال يحدث من فضلاء أهل الكتاب الذين دخلوا في دين الله أفواجاً.. إذن فهذه هي بعض شهادة ديننا المحفوظ بحفظ الله له، وههنا أذكر شهادة ما بين أيديهم مما أبقاه الله حجة عليهم بعد التبديل والإسقاط؛ وهي ما ذكره أحد فضلاء أهل الكتاب الذين أسلموا، وهو علي بن ربن الطبري في عهد الخليفة العباسي المتوكل على الله رحمهما الله تعالى في الحلقة القادمة.. وإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى، والله المستعان.
** **
كتبه لكم: أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - (محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عني، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين -