المدينة المنورة - «الجزيرة»:
حذَّر أكاديمي متخصص في العلوم الشرعية من خطورة بعض الألعاب الإلكترونية المنتشرة في الوقت الحاضر على الناشئة، وما يتبعها من آثار صحية واجتماعية ونفسية واقتصادية على الفرد والمجتمع.
وقال الدكتور عارف بن مزيد السحيمي أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في حديث لـ»الجزيرة» إن هذه الأمة المحمدية خير الأمم وأعدلها، في أقوالها، وأعمالها، وإراداتها ونياتها، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، أي: خياراً عدولاً. مشيراً إلى ان من وسطية هذه الشريعة أنها أباحت الألعاب المشتملة على مصلحة راجحة، كالرماية والسباق، والسباحة، وركوب الخيل، وغير ذلك مما ورد التنصيص على إباحته، وهناك ألعاب لم يرد التنصيص على إباحتها، فهذه إن كانت معينة على ما ينفع فهي داخلة في حكم الألعاب المشتملة على مصلحة راجحة على الصحيح، وهناك ألعاب محرمة، وضابطها: أن يرد التنصيص على حرمتها، كالميسر والقمار ونحو ذلك، أو تكون مشتملة على محظور شرعي خارج عن أصلها، كما لو صاحبها لفظ محرم كالسبّ وغيره، أو عمل محرم، كتأخير الصلاة عن وقتها، أو يترتب عليها قطيعة بين اللاعبين، ونحو ذلك. وهناك ألعاب مسكوت عنها في الشريعة، وهذه قال فيها العلامة ابن القيم -رحمه الله-: «ما ليس فيه مضرة راجحة، ولا هو أيضًا متضمن لمصلحة راجحة، يأمر الله تعالى بها ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فهذا لا يحرم ولا يؤمر به، كالصراع والعَدْو والسباحة وشيل الأثقال.. ونحوها».
وكشف د. عارف السحيمي بعضًا من الألعاب المنتشرة في هذا الزمان، كاللعبة القتالية المعروفة بـ(بجي)، ومعناها: ساحات معارك اللاعبين المجهولين. وهي لعبة يشارك فيها اللاعب وحده أو مع فريق معين. وفيها يُرمى اللاعب في جزيرة فيها مبانٍ، وبداخلها أسلحة ومركبات ومعدات عسكرية، يصل إليها اللاعب عن طريق خرائط توزَّع عليه في بداية اللعب، ويدخل في معارك، يكون الفائز فيها آخر باق ٍعلى قيد الحياة. مشيراً إلى أن هذه اللعبة مشتملة على جملة من المحاذير الشرعية، من أهمها اشتمالها على إحياء الوثنية؛ ففي الإصدار الأخير لهذه اللعبة لا يستطيع اللاعب أخذ السلاح إلا بعد الانحناء للصنم احتراماً له، والانحناء لا يجوز أياً كان مقصد فاعله، لا لأجل الاحترام ولا لأجل اللعب أو الهزل. وقد ورد في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قلنا يا رسول الله، أينحني بعضنا لبعض؟ قال: (لا). رواه ابن ماجة وحسّنه الألباني. وعلة المنع أن الانحناء في معنى الركوع، وهو كالسجود من عبادة الله سبحانه.
قال ابن القيم رحمه الله: «والمقصود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن انحناء الرجل لأخيه سداً لذريعة الشرك، كما نهى عن السجود لغير الله). كما أن هذه اللعبة تحرِّض على العنف والقتل، وربما كانت سبباً لدخول أصحاب الفكر الضال في هذه اللعبة الجماعية. وقد يُستدرج مَن لا يعرف طرائق هؤلاء، فيندرج معهم تحت دائرة الإرهاب. والوسائل لها أحكام المقاصد. وانهماك اللاعبين في هذه اللعبة يؤدي إلى تأخير الصلوات عن أوقاتها، وإلى البُعد عن ذكر الله، وإلى تضييع الأوقات فيما لا نفع فيه.. وكل ذلك سيُسأل عنه العبد يوم القيامة؛ فليُعِدّ للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا.
وأكد د. عارف السحيمي أن هذه اللعبة لها آثار صحية واجتماعية وأخلاقية واقتصادية سيئة على لاعبيها.. فمن الآثار الصحية لهذه اللعبة: تأثيرها على بصر اللاعب وفكره، ونفسيته، وجسده، وتسلُّط الأمراض المستعصية عليه. والشريعة جاءت بنفي الضرر. أما الآثار الاجتماعية فتكمن في اعتزال اللاعب عن مجالسة والدَيْه، وهجر أقاربه وأرحامه، مع ما قد يحصل من تجاوزات مع من يلعب معهم، قد تؤدي للقطيعة والتدابر. وأما الآثار الاقتصادية فإن اللاعب قد يدفع المال في سبيل ذلك. وقد نهى الشرع عن إضاعة المال. أما الآثار الأخلاقية فتكون باتصال اللاعب بلاعبات أو لاعبين مجاهيل من شتى أنحاء العالم، لا يعرفهم، وقد يكون فيهم الملحد، أو المنحرف فكرياً، أو سلوكياً. وقد تكون هذه اللعبة سبباً للتعارف، وحصول ما لا تُحمد عقباه بعد ذلك مما لا يخفى على ذي لب.
واختتم د. السحيمي تنبيهاته بوصية سلفية، قال فيها: أوصي نفسي وكل شاب بنقل وصية القرطبي -رحمه الله- في الجامع لأحكام القرآن؛ إذ قال: «ويرحم الله السلف الصالح؛ فلقد بالغوا في وصية كل ذي عقل راجح، فقالوا: مهما كنتَ لاعبًا بشيء فإياك أن تلعب بدينك».
سائلاً الله أن يعيذ المسلمين من شرور أنفسهم، ومن سيئات أعمالهم، ومن مكر أعدائهم، إنه سميع مجيب.
** **
- د. عارف السحيمي