د. محمد بن عبد الله ال زلفة
تعد الوثيقة من أهم مصادر التاريخ وأصدقها رصدًا للخبر، وتزداد أهميتها إذا أصبحت أهم مصدر من مصادر تاريخ مدينة؛ فلكل مدينة ذاكرة يدونها المؤرخون إذا حظيت بمؤرخين يهتمون بتدوين تاريخها، ويسجلون ذاكرتها المكتوبة، وجهات تولي اهتمامًا بذاكرتها المادية الممثلة في مبانيها وشوارعها وحدائقها ومساجدها ومعالمها التراثية والتاريخية ممثلة في قصورها ودور الحكم فيها ومدارسها، ومظاهر المدينة الحضارية ممثلة في مؤسساتها ونشأة تلك المؤسسات، مثل الصحة والتعليم النظامي والأهلي ووسائل المواصلات والاتصالات والخدمات البلدية والأمنية والحياة اليومية لسكان المدينة وطريقة ووسائل معيشتهم.
ما أشير إليه أعلاه، وما يجب أن يشبع الحديث عن تاريخ كل تلك المظاهر، هو ما يعبَّر عنه بذاكرة المدينة، وبما أن حديثنا عن مدينة الرياض، وعن ذاكرتها التاريخية التي لم تُكتب بما يتناسب مع عظمة تاريخ هذه العاصمة.
منذ سنوات تعود إلى أمد بعيد، ومنذ أن كنت لا أزال طالبًا مبتعثًا لدراسة التاريخ الحديث، وأنا أفكر وأسأل: لماذا لم تكتب ذاكرة الرياض المدينة، الرياض العاصمة، مثلما كُتبت ذاكرة المدن والعواصم التي زرتها وقرأت تاريخها؟ ومما يحفظ ويبرز ذاكرة المدن، إلى جانب ما يكتب عنها مفصلاً، إقامة المتاحف المتخصصة عن كل مظهر من مظاهر حياة المدينة. عدت من البعثة وأنا مشبع بطموح لا يحد إلى أن أسهم فيما يفرض علي الواجب كمتخصص في تاريخ المملكة الحديث، ومنتميًا إلى جامعة الملك سعود، أول جامعة في المملكة، ومقرها مدينة الرياض، وأن نقوم بتأسيس متاحف متخصصة بمدينة الرياض.
كانت دهشتي الأولى بأن المملكة بعظمتها، وبطولها وعرضها، وعراقة تاريخها، ليس بها متحف وطني يحكي تاريخها، فما بالك أن تدعو إلى إقامة متاحف متخصصة للعاصمة! ولكن هذا لا يعني تقاعس الهمم، أو إطفاء جذوة الحماس؛ فلقد تضافرت الجهود، وارتفعت الأصوات - وصوتي أحدها - منادية بضرورة إنشاء متحف وطني، يتناسب مع عظمة تاريخ بلادنا، وإنشاء مكتبة وطنية بدلاً من مكتبة عامة، كان مواطنو الرياض قد تبرعوا بأموال لإقامتها بمناسبة تولي الملك فهد سدة الحكم. ووجدت هذه الأصوات أصداء قوية لدى المحب الأول لمدينة الرياض أميرها حينذاك «الملك سلمان»؛ فأمر بالشروع فورًا في إنشاء المتحف الوطني، وحدَّد موعد اكتماله متزامنًا مع الاحتفال بمرور مائة سنة على قيام وحدتنا الوطنية، وكان لا يفصل بين الموعدَين إلا سنة وعدد من الشهور، وأنجز المشروع، وعملنا فريق عمل، كل في مجال اختصاصه، مواصلين الليل بالنهار مع هيئة تطوير الرياض، وأصبح للمملكة متحفها الوطني، وأمر بتحويل المكتبة العامة إلى مكتبة وطنية. وكم كانت سعادتي وأنا أسهم مع زملائي في تحقيق هذين المشروعين بالرأي والمشورة والعمل.
ولا يزال الأمل قائمًا أن أرى بعيني الرياض تزخر بالعديد من المتاحف المتخصصة، تحكي قصة ذاكرة هذه العاصمة التي تمثل قلب القلوب لكل سكان بلادنا كما وصفها الرحالة بالجريف في منتصف القرن التاسع عشر.
أثار في نفسي طرح هذا الموضوع ما كنتُ قد كتبته العام الماضي حينما اختيرت الرياض عاصمة الإعلام العربي، ولكني لم أنشر ما كتبته؛ لأن طموحي كان أن أقدّم للرياض ما هو أكثر من نشر مقالة بتلك المناسبة، وهو إقامة معرض «في مقر دار بلاد العرب التي اعتادت أن تقيم معرضًا شهريًّا، وأحيانًا فصليًّا، يمثل مناسبة وطنية أو فكرية أو حضارية، وهي سنة انفردت بها دار بلاد العرب للنشر» بوثائق نادرة عن تاريخ هذه المدينة مصحوبة ببعض ما كُتب عنها بأيدي غير أبنائها من جنسيات مختلفة، بعضها لم يُترجم ولم يُنشر، ولكن لم يتم إقامة المعرض، ولكن الفكرة قائمة لم تَمُت.
تلك المناسبة كانت ذات طابع إعلامي، والإعلام بكل وسائله لم تعرفه الرياض إلا متأخرًا، بما لا يزيد على خمسين عامًا، وصنَّاعه لا يزالون أحياء يُرزقون، على رأسهم رجل الإعلام الأول معالي الشيخ «جميل الحجيلان» - أطال الله في عمره -.
والرياض عاصمة عظيمة هي الأكبر في جزيرة العرب، لم تعرف الصحافة قبل ستين عامًا تقريبًا، دعك أن يكون بها محطة إذاعة أو محطة تلفزيون أو حتى مراسلون صحفيون، ينقلون أخبار الرياض وما كانت تشهده من أحداث.. فكيف كانت تُنقل أخبار الرياض في غياب الصحافة؟
أحاول أن أعود بالقارئ الكريم إلى ما قبل خمسين عامًا بكثير، وعلى وجه التحديد قبل اكتمال وحدتنا الوطنية؛ لأوضح له أو أقدّم له أهم وسيلة تنقل أخبار وأحداث مدينة الرياض، بل كانت هي الوسيلة الوحيدة قبل إنشاء البرقية والتلفون بين الرياض وبقية مدن المملكة، خاصة مكة وجدة. ونشأة هاتين الوسيلتين لها قصة طويلة مع تاريخ هذه المدينة. أما الوسيلة التي أنا بصدد الحديث عنها فهي الرسائل التي نعبِّر عنها نحن المؤرخين بالوثائق التي كانت تُبعث إلى مَن كان أكثر الناس تعطشًا وحرصًا إلى أخبارها (أي الرياض)، حينما يكون خارجها، وما أكثر ما يكون خارجها أثناء سنوات توحيد المملكة، إنه «الملك عبد العزيز» - طيب الله ثراه -. هذه الرسائل (الوثائق) هي الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي كان الملك عبد العزيز يتلقى أخبار عاصمته من خلالها، وكان أهم مصدر لهذه الوسيلة «الشيخ شلهوب» وزير الملك عبد العزيز المخلص والمسؤول عن الشؤون الخاصة للملك وإدارة شؤون القصر، وما هو أهم من ذلك (إدارة الشؤون المالية).
هذا الرجل الذي كان أكثر الرجال ملازمة للملك عبد العزيز منذ اليوم الأول لاستعادة الرياض رافق الملك في كثير من مغازيه وضمه البلدان، مثل القصيم والأحساء، وكان المدير للشؤون التموينية لجيوش التوحيد، ومدير أعطيات المقاتلين من محاربين ومشايخ قبائل أثناء الحروب وأثناء السلم، وظل يقوم بهذه المهام بكل إخلاص إلى آخر يوم من حياة الملك عبد العزيز.
كان الشيخ شلهوب يمثل لمدينة الرياض أثناء غياب الملك عبد العزيز عنها - إضافة إلى مهامه المتعددة - رئيس تحرير أخبار المدينة الذي يزود الملك بكل تفاصيل أخبار وأحداث الرياض في رسائله المفصلة التي يبعث بها إلى الملك أينما كان. وكان شلهوب من دقته وحرصه يكتب الرسالة من نسختين، الأصلية يبعث بها إلى الملك، ونسخة يحتفظ بها لنفسه.
بكل أسف لا ندري إذا كان لدى الملك مَن يحفظ الرسائل المرسلة إليه، خاصة رسائل شلهوب، وإلا في الكثير من الحالات التي كان الملك يتلقى فيها رسائل من آخرين من غير ما يرد إليه من الرياض، مثل الرسائل السياسية من المندوبين الأجانب، خاصة البريطانيين في كل من العراق والبحرين وغيرهم، ومن رؤساء العشائر في داخل مملكته وخارجها، وهذه الأخيرة كان الملك يحتفظ بها للاحتجاج بها في إثبات وجهة نظره في القضايا المختلف فيها مع بعض وجهات النظر من أطراف أخرى أثناء محادثاته مع المندوبين البريطانيين الذين كانوا في كثير من الأحيان يمثلون وجهات نظر خصوم الملك عبد العزيز حول قضايا حدودية، أو حول ولاءات قبائل أو شخصيات سياسية، ترغب في الدخول أو تعلن دخولها في طاعة الملك عبد العزيز، وكان الملك يظهر هذه الرسائل لإثبات وجهة نظره، ثم يدفع بها إلى أولئك المندوبين، خاصة عبد الله فيلبي أول مندوب بريطاني إلى بلاط الملك عبد العزيز، وذلك في عام 1917م، بينما بعد الرائد شكسبير الذي حاول قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى إقناع حكومته بأن الملك عبد العزيز هو صاحب المشروع الحقيقي لتوحيد الجزيرة العربية، وهو المؤهل لأن يتم التعامل معه كقوة صاعدة يجب التقرب منها، والاعتماد عليها، ولكن حكومة بريطانيا، خاصة حكومة لندن، كانت ترى وجهة نظر أخرى، يمثلها لورانس العرب، وأثبتت الأيام والتاريخ صواب رأي شكسبير الذي لقي حتفه في معركة جراب إبان إحدى المعارك الفاصلة بين الملك عبد العزيز وابن رشيد.
كان الملك عبد العزيز يقدم ما أشرت إليه من رسائل لإثبات وجهة نظره إلى أولئك المندوبين، ثم غالبًا ما يحتفظ أولئك المندوبون بتلك الرسائل، خاصة عبد الله فيلبي الذي احتفظ بالكثير من تلك الرسائل، وهي محفوظة الآن ضمن أوراقه الخاصة المحفوظة في جامعة أكسفورد، وكذلك الرائد ديكسون المندوب البريطاني في البحرين عام 1920م، وكذلك المندوب السامي البريطاني في الخليج السير بيرس كوكس، والرسائل الموجهة إلى الأخير محفوظة في الأرشيف البريطاني.
ما يميّز رسائل الشيخ شلهوب إلى الملك عبد العزيز أنها تحمل تفاصيل الأخبار المحلية لمدينة الرياض، وهي ما لا نجدها في أي مكان آخر؛ ومن هنا تأتي أهميتها. وسآتي على إيراد بعض النماذج لتلك الرسائل التي كان شلهوب يقوم بكتابتها بنفسه، أو يمليها على بعض الكتبة، ولكونه المصدر الأول بحكم مكانته لدى الملك من ناحية، ويكون رجله الأول المسؤول عن طبيعة كل ما تتضمنه رسائله، ولم يكن يستقي معلوماته من مصدر آخر؛ فهو المصدر الأول والأخير.
ومن هنا نؤكد أنها تمثل مصدرًا وثائقيًّا، يثق بها كل مؤرخ؛ وتسعد بها مدينة الرياض؛ إذ تشكل هذه الرسائل أحد أهم مصادر ذاكرتها. وكل محب لمدينة الرياض وتاريخها يتطلع إلى كشف المزيد من مصادر ما زالت مختبئة أو مخبَّأة، تروي جانبًا أو جوانب من تاريخ هذه المدينة العظيمة. ولا يجب أن يُستهان بأي وثيقة عن المدينة حتى ولو كانت وثيقة بيع منزل أو حديقة.
الرسالة الإخبارية الأولى من رسائل شلهوب إلى الملك عبد العزيز وهو في مكة عام 1346هـ تحمل خبر وفاة الإمام عبد الرحمن الفيصل والد الملك عبد العزيز، وتحمل تفاصيل مرض الإمام الذي لم يستمر طويلاً، ثم ساعة وتاريخ ويوم وفاته - رحمه الله -، ومن كان حاضرًا لحظة وفاته، ومكان دفنه، ومكان قبره، ومن كان يجاور قبره، وغير ذلك من التفاصيل التي لا يرصدها أدق الصحفيين في عصرنا الحاضر.
ونص الرسالة كالآتي، وفيها من التفاصيل ما يفي:
نص الرسالة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
جناب الأجل الأمجد الأفخم ملك الحجاز ونجد سيدي عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل المحترم أدام الله تعالى مجده. آمين.
بعد مزيد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته على الدوام أدام الله علينا وعليكم نعمة الإسلام، مع السؤال عن أحوالكم حالنا بخير، ثم بعده أدام الله بقاك. نعرف جنابكم الشريف من طرف الوالد أنه قدم إلى رحمة الله، نرجو أن الله يتسامح عنه، وأن الله يديم بقاك للإسلام والمسلمين، وأن الله لا يفجعهم عليك.
من طرف وفاته قدس الله روحه في الجنة، يوم الجمعة الموافق 13 ذي الحجة الساعة ثمانية من النهار، وصلى عليه المسلمون العصر في مسجد الجامع، نرجو الله يقبل ما سألوا له ذلك.
وهو الله يسكنه الجنة. ما اشتكى إلا صبح العيد، والحق نازل به نزول. ومن يوم طاح وهو ما يحس بأحد، وسعود - الله يسلمه - ما يتعداه لا ليل ولا نهار، والشيخ صالح. وصار قبره بين الشيخ عبد الله وحمد بن فارس، نرجو أن الله يتغمده برحمته، ويخلف على المسلمين بسلامتك. والمسلمون أصابهم اشتغال عظيم يا طويل العمر، نرجو أن الله يجبر مصيبتهم بطول عمرك. هذا ما لزم بيانه. بلغ السلام خاصة نفسك، والعيال ومن لدينا الابن سعود والعيال كافة طيبون ويسلمون. ودم محروس. والسلام. مملوك محمد بن صالح بن شلهوب.
في 14 ذي الحجة 1346هـ.
الرسالة الثانية
أما الرسالة الثانية من شلهوب إلى الملك عبد العزيز، وهي بتاريخ 24 ذي الحجة 1346هـ، أي بعد عشرة أيام من الرسالة الأولى، فهي تتكون من ثلاث صفحات من المقاس الكبير، وفيها تفاصيل عن أخبار وأوضاع الرياض بعد وفاة الإمام الوالد، وقيام الأمير سعود بن عبد العزيز بالواجب تجاه أبناء الإمام وحاشيته. ثم يستطرد في رسالته المطولة المشبعة بتفاصيل أخبار المدينة وأخبار أهلها والأوضاع الاقتصادية، وترتيب أوضاع بيت المال وما يرد من الأحساء من أرزاق وأموال، وما يقدر لوسائل النقل من الجمال من بعض التأخير بسبب المناكفة بين المسؤولين عن المالية في الأحساء. ويأتي في رسالته تفاصيل الحالات الاجتماعية، من تزوج ومن طلق ومن باع ومن اشترى، وغير ذلك من التفاصيل التي يقوم بها مراسلو الصحف في المدن التي بها صحافة. وسأترك للقارئ الكريم أن يقرأ تفاصيل أخبار المدينة من خلال قراءة كامل الرسالة بلغتها ومصطلحاتها. وقد حاولت أن أشرح بما استطعت تعريفات بعض المصطلحات وأسماء بعض المزارع والأحياء في مدينة الرياض كما كانت عليه في ذلك الوقت، والتعريف بالشخصيات التي وردت أسماؤهم في هذه الرسالة. طالما نحن نتحدث عن ذاكرة الرياض الذي لا تكفي الكتابة عنها مجلدات، وتزداد أهميتها إذا اعتمدت على وثائق تلك المرحلة والمراحل التي تلتها.
ما أقدمه ما هو إلا تمهيد لما أعتزم نشره من أعمال، عكفت على إعدادها فترة طويلة حينما توافرت المادة التاريخية، خاصة الوثائقية، وتشمل بدايات بناء المؤسسات الحديثة بمدينة الرياض، مثل بدايات التعليم النظامي، ونشأة البلدية، والشرطة، والشؤون الصحية، واللاسلكي. وقد استفدت من أيام وليالي حجر كورونا لإكمال بعض متطلبات الانتهاء من هذه الأعمال التي آمل أن ترى النور منشورة في القريب العاجل.
أما صحافة المملكة قبل نشأة أول صحيفة رسمية بها، وهي أم القرى، فكانت الصحافة التي يرأس تحريرها الملك عبد العزيز بنفسه من خلال ما كان يكتب إلى كل قادته في جميع أنحاء المملكة من رسائل. ويقف المرء حائرًا أمام عظمة هذا الرجل الذي كان يبعث بمئات الرسائل يوميًّا، يمليها هو بنفسه على عدد من الكتبة. وحسبما روى لي المرحوم الأمير متعب بن عبد العزيز، وهو من أكثر أبناء الملك ملازمة له فإنه كان يملي على أكثر من كاتب في وقت واحد، وفي مواضيع مختلفة. أي قدرة كان يتمتع بها هذا الرجل. إنها من عظمة الرجال الذين يحملون رسالة، هدفها تأسيس دولة؛ فلا وقت لديه للتردد، ولا لإطلاع كل قادته وكل من يعتمد عليه من الرجال، بادية وحاضرة، من شمال البلاد وجنوبها وشرقها وغربها، على تفاصيل الأحداث وسير المعارك، وحتى أخبار هطول الأمطار، وكان يحث رجاله ومسؤولي دولته على أن يُطلعونه أولاً بأول على كل أخبار مناطقهم، ويحثهم على أن يزودوه بتفاصيل التفاصيل، وكان ذلك قبل أن يدخل في بلاده البرقية كأهم وسيلة من وسائل الاتصالات في ذلك الوقت؛ إذ لعبت هذه الوسيلة دورًا محوريًّا في توحيد المملكة، وسرعة نقل الأخبار. وهذا ما لم يدركه أصحاب العقول المنغلقة التي عارضت دخول البرقية البلاد. بالتأكيد هذا جهل منهم، وعدم إدراكهم لما يدركه قائدهم العظيم صاحب المشروع.
حدثني أحد موظفي إمارة منطقة عسير بأن أمير المنطقة كان لا يذهب إلى النوم حتى تصل برقية من الرياض بأن الشيوخ ناموا، والشيوخ هنا الملك عبد العزيز. وقبل صلاة الفجر يستلم مأمور البرقية برقية بأن الشيوخ قاموا. أي دقة وأي قدرة على عظمة المؤسس في إدارة دولته. حتى بعد دخول البرقية التي اقتصر دخولها على المدن الرئيسة لم يتوقف الملك عبد العزيز عن كتابة الرسائل الخطية إلى شيوخ القبائل وإلى كل من رأى مراسلته أو الرد على أية رسالة يبعث بها إليه أي من مواطنيه، يطلب شيئًا، أو يرفع شكوى عن مسؤول.
وقد أعطى أوامر لكل القائمين على البرقيات في المناطق بمنع أي مواطن لديه شكوى من أميره أو أي مسؤول أن يبرق للملك بدون أن يدفع تكاليف إرسال البرقية.
كل دارسي التاريخ والإعلام والسياسة أمام معجزة اسمها الملك عبد العزيز، ومهما كانت محاولاتنا لن نفي الملك عبد العزيز حقه فيما نكتب من تاريخ؛ وهذا يجعل على كواهلنا مسؤولية إعادة النظر في كتابة تاريخ المؤسس على ضوء مصادرنا الوطنية، وجعل مسؤوليتنا مضاعفة في الاهتمام بمصادر تاريخنا الوطني. وكفى انبهارًا بما يحرص البعض منا على ما تمدنا به بعض دور المحفوظات الأجنبية مع عدم التقليل من أهميتها، وصرفنا عن الأهم، وهو البحث عن مصادرنا الوطنية، والحفاظ عليها، وجعلها متاحة للباحثين. وهذا لا يمكن تحقيقه إلا إذا شرعنا ضمن خطط رؤية المملكة في إنشاء أرشيف وطني، يستوعب كل وثائقنا الوطنية، وهي بالملايين، لا تستوعبها مخازن دارة الملك عبد العزيز المحدودة، ولا يكفي عنها كم غرفة في الديوان الملكي، ويطلق عليها «إدارة المحفوظات».
جزء مهم من ذاكرة الرياض يكمن في ملايين من الوثائق، كانت أكوامًا مهملة في قصر ثليم، أحد أهم قصور ضيافة الملك عبد العزيز لأبناء شعبه، نُقل بعضها إلى مكتبة الملك فهد الوطنية مع أنها مكتبة وطنية، لا علاقة لها بالوثائق؛ الوثائق محلها الأرشيف الوطني الذي لم يؤسَّس بعد إلى الآن؛ ليضم كل ذاكرة الوطن منذ التأسيس، وليس ذاكرة الرياض فقط.
نص رسالة من شلهوب إلى الملك عبد العزيز وهو في الحجاز
بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي أدام الله بقاك..
دفعنا لكم جملة مكاتيب آخرها مع فلاح وخويه، إن شاء الله وصلتكم وأنتم مسرورون، ومن بعده ما حدث زيادة إلا الخير نعرف جنابكم من طرف صحة العيال، فلله الحمد والمنة في أتم نعمة، عسى الله يديمها عليهم بسلامتك.
من طرف البلاد صحيحة، ولا فيها عاصب رأس من طرف أبشرك - لله المنة والشكر - أنها ما تنزل مصيبة إلا وينزل «البراء» قبلها، نرجو أن الله يتفضل على المسلمين بسلامتك.
ومن طرف عيال الإمام - الله يتغمده برحمته - أحمد ومساعد وسعد لا يزالون عند سعود - الله يمتع بعمرك للجميع - ومستاسعه خطرهم ومخلين كل شيء على سنعه، وإذا بغى يظهر ظهروا على مواترهم معه.
كذلك سلمك الله من طرف سعود الله يسلمه أن لله المنة والشكر كل يوم يزيد بمعرفة في أمر دينه ودنياه، نرجو أن الله يصلح نيتك وذريتك.
أمر الله يسلمه سعود على كل راعٍ وظيفة من خدام الإمام الله يقدس روحه في الجنة يلزمها، وكل شيء على سنعه وعلى راتبه، الكثير والقليل، لو الذي يدخل للبيوت باليومية من الفلايح على سنعه وعلى راتبه.
من طرف الأشياء جميعها كتبها الله يسلمه وخلاها في يدين أهلها وحرصهم على ضباطها ولابده عرفك عن ذلك، كثيرها وقليلها.
كذلك أدام الله بقاك زد عرفناك عن شويش أنه نزل الحفر بسابق، وهذه الأيام صار بينه وبين السبعان هوشة على الحفر وذبح من المطران واحد وصوب واحد ومن السبعان ذابح واحد وصوب اثنين. وأسبابها جاء سعد بن غرير وطلب سعود الله يسلمه قليب يحفرها وعطاه إياه سعود الله يسلمه لموجب أنها تنفع الناس وعيا شويشن تحفر، وطلب من ابن غرير الخط الذي عطاه سعود ولا وراه شويش، هذا أسباب أولها. ثم بعد ذلك جاء سعود الله يسلمه الخبر بهوشتهم واركب يمهم محمد بن «زيد» في موتر هو وزميع ويجي أربعة من الخدام وحال ما الفا عليهم ويصير بينهم مثل هوشتهم الأولى، ويذبح من المطران ثنين ومن السبعان واحد ويصوب واحد، ويعقر أربع نياق لولد كرمع ويجي أربعة زمل، ويجي ابن زيد ويركب سعود الله يسلمه يمهم على الحفر في المواتير ويصلحهم ويعطي السبعان خمس قلبان والتالي لأهل الدبش والمطران يوم الحكية هذي وآل شوية عندنا في البلاد، وركبوا مع سعود في المواتر يوم يروح وجو معه.
المقصود أن سعود الله يسلمه صلح أحوالهم وهي ما تسوي من يذكرها مير أخشى تجد بغير صورتها وهذا الصحيح.
كذلك من طرف الأجناب الذي يلفون علينا زد عرفناكم بالسابق أن من جاء نخبر في ثاني يوم الذي يجي فيه ولا خليت قاصر على الجميع عسى الله يديم بقاك لنا وللجميع من طرف الشيل من الأحساء موجب ما عرفناك ما سبق متقاصر، وأسباب ذلك أن مقبل ويعقوب متنافسين أمر الجمال ورخصوا لأهل الزلفى، واركب مقبل ابن عبد العال يبي جماميل من عنيزة، ولا أدرك شيء، والبعير هالزمان هين ولا ناطح هالدرب إلا أهل الزلفى، وجانا خط من مقبل يذكر من طرف الجماميل أنه مرة بهم يعقوب وأنه بالظاهر يدور الجماميل وليا جلس رخص لهم، وذكرت لمقبل لا تخلونا في أمر مريج بينك وبين يعقوب، وهذا أمر مانعنه وملزوم كل شهر بشهره، وكثرت عليه الكلام لا هو ولا يعقوب ولا عبد الله والى الآن ما جانا منهم مجاوبه، وأنا من مدة وأنا نشري العيش لمضيفنا وقصرنا والبلاد خالية من العيش إن شاء الله تعرفون الوكلاء يمشون الدبرة الذي دبرتهم عليه بسابق ويلازمون شغلهم لان هذاي متع الله «بوجودك» لين انفهقت بأن منها خلل خصوص أمر الزاد وإلا كل شيء عسى الله يمتع بوجودك يدرك إلا أمر الزاد. يا طويل العمر مهوب مدروك إلا من الله ثم منكم.
أحبينا تعريفكم بذلك لأجل إن شاء الله تعرفون الوكلاء ونظركم أعلاه وأنا متع الله بعمرك أكثرت الكلام نرجو المسامحة.
كذلك سلمك الله زد «قد» عرفناكم من طرف ابن ريس اجتهاده واخلفه، الثمرة ودخلها وأموره مستقيمة ومباشر الأشياء بنفسه والحراثة زينة والدبش وهذا حظك إن شاء الله شامل الجميع.
من طرف كل شهر نسلم له مشاهرته ألف وخمسمائة ريال «1500».
من طرف السيح إلى الآن ما بعد جانا منه عيش للبيوت وأنا أتحرى له لأنه توه ذرى وحرصناه عقب مخارجيه الذي للبيوت أن يضبطه عنده مثل ما عرفناكم بسابق ليما تحضرون وهو يا طويل العمر امحروه أنه يظهر دون من ابن فواز لأنه «خليف» حظيرة، وحنا كثرنا عليه من الخطوط فيما فيه صلاح لنا وله.
كذلك سلمك الله بعد ما رأينا ما هنا عيش متوجه لناس خرج سلمنا لهم شهر ذي القعدة فلوس نرجو أن ما «جملة غير مفهومه» إن الله لا يحجبه ولا استحبينا يصير على الناس قاصر عسى الله يديم بقاك للمسلمين.
كذلك ألفا علينا ناس من القبانبه بن كميخ وأهل عشر معه يوم الثلاثاء الموافق 24 ذي الحجة، وعرفونا عن صحتكم وعن الحج وصحة مكة واستروا المسلمين غاية ما يصير وبالعادة يجي تيل وهالمرة ما جاء شيء.
كذلك من طرف جميع الحضر أهل نجد ركبوا لسعود الله يسلمه يعزون في الوالد الله يقدس روحه في الجنة.
«جملة غير مفهومة» ومن جاء قضينا شغله وخليناه يتوجه وحنا ما علينا قاصر إلا رؤياك نرجو أن الله يورينا إياك عن قريب، وأن الله يستر على المسلمين بسلامتك.
من طرف الحميدي (يبدو أن ما سيأتي تكملة للرسالة الأولى):
كذلك أدام الله بقاك نعرف جنابكم أرسلنا لكم جملة مكاتيب آخرها مع خادمكم الحميدي تلوتوها مسرورين وبعده ما حدث زوايد خبريات توجب الإفاده إلا دايم السلامة نعرف جنابكم من طرف سعود والعيال لله المنة كلهم في أتم نعمة عسى الله يديم عليهم وعلينا بوجودك ولا على الناس إلا تشكر الله عسى الله يديم ابقاك للجميع.
من طرف سعود الله يسلمه مثلما عرفناك سابق ملازم على المجالس وترتيب القرابة فيها وحط بن سوداء يقرأ عقب الأخير نرجو أن الله يصلح نيتك وذريتك وجميع الناس ما خذ بخرطهم وجميع من جانا. ننجزه ثاني يوم الذي يجي فيه على الترتيب الذي أنتم خابرين كل عقب ظهر يعلم على الأجناب ومنجزينهم ولا يستقيم أحد نرجو أنهم ما يجنبونكم.
من طرف قصرنا وشغلنا ملاحظينه وكل شيء متيسر بسعود الله ثم بسعودكم ولا خليت على أحد قاصر عسى الله لا يقصر بعمرك.
من طرف الشيل من الأحساء هالأيام مثل ما عرفناكم متقاصر موجب الجماميل أيضًا العيش البلم ما ورد علينا شيء منه وعرفت مقبل وقال ما ورد شيء من القصابا وعرفت القصابا ومقبل أن هذي «هذه» مايه جوفية راتب كل شهر لعائلة سيدي عبد العزيز أو في أجناب يجونا حشام عليه وأنا ملزومين به إلى الآن ما جانا مجاوبة منهم، وقلت لهم تراجعوا ملاحيق سيدي، وتعملون عليها ذكرت لهم يعملون عليها.
كذلك السيح إلى الآن ما معه ذروة، وحرصنا ابن شنان عليه وبعمال حاطينهم وذكرنا لابن شنان من طرف عيش السيح بعد مخاريجه تبقى عند ابن شنان يجي خمسة وعشرين ألف 25000 وهو إن شاء الله حروه يزيد على ذلك.
من طرف ابن ريس أخذنا له بيت الزهيري بكروه، ودخل عيش الكدادة فيه وهو يمدحه نرجو أن الله ينزل البركة وهو مجتهد.
من طرف الزروع ادخلوها الناس.
من طرف الجراد ما دخل على أحد شيء أبدًا لا حراثة ولا نخيل هاض علينا يجي خمسة أيام وعقبها ما ذكر.
من طرف سعود بن عبد الله هال أيام اعرس على بنت خالد راعي الحريق وأمرنا سعود وسلمنا له سبعمائة جهاز.
من طرف هيا ظهرت عنه ونزلت بيت بنت عبيد يومين ثم عودت له وشرطت عليه أن الحرمة ما تأخذ معه إلا شهرين واصطبر بذلك.
من طرف حصة بنت عبد الرحمن هال أيام شرت نخل الرعوجي إلى بين قري الحقباني وقرى آل شهيل وصدرت فيه ووكيلها الشدي.
كذلك سلمك الله من طرف شويش ظهر يم الدبش على الحفر.
من طرف رجال الدويش لفا علينا وجميع ما عرفتوه له قضيناه عسى الله يمتع بعمرك وكارينا عليه.
أيضًا عطاهم سعود الله يسلمه ذلول كذلك ولد بن بعوه ألفا علينا من عند ابن بجاد وجميع ما ذكرتو له قضيناه وكارينا عليه، وأيضًا ومر له سعود الله يسلمه بربعين نيرة وروحناها له مع ولد ابن رحوة.
كذلك من طرف مشاري بن بصيص ويعقوب الحميداني موجب ما ذكرتوا في خط الابن سعود الله يسلمه على ألفين فشكة أم تاج سلمناها لهم.
كذلك سلمك الله في 13 ذي الحجة توفي حسين عدنان من الربع الذي في المصمك.
لاحق خير إن شاء الله
وسرور مع حمود البراك
في 23 شوال 1346هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي أدام الله تعالى بقاك. كتابكم الشريف الذي من شقراء وصل، وتلوناه مسرورين وما عرفتم صار لدى مملوككم معلوم.
كذلك من طرف الذي سنعتوا عند ممشاكم لا الذي للمشايخ ولا للذي لغيرهم جميعه نجزناه.
أيضًا البنات وخدام البيوت الجميع سنعناه موجب تعليمكم، ومحمد بن عبد الرحمن وأخوياه سلمنا لهم موجب الورقة الذي وردت من جنابكم محمد سلمنا له ماتين ليرة واخوياه سلمنا لهم روبيات ولعيال سلمان وسعود بن عبد الله ومحمد بن عبد العزيز السعود سلمنا لهم موجب تعليمكم على خمسين ليرة. أحبينا تعريف جنابكم بذلك.
ثم بعده وردنا من القصابا في 18 الجاري مائة ألف روبية وثلاثون ألف ريال ويذكرون باقي الأريل عشرين ألف ريال على الساق ما وصلت ومن طرف مقبل الذكير ورد منه في 18 الجاري سبعة عشر ألف روبية 17000 من المشاهرة ومزودتين هدوم ما فندهم وباقي المشاهرة ستة آلاف روبية ما وصلت يتعذرون من طرف قل الدخل بالقطيف. أحبينا إعلامكم بذلك.
تجدون من طيه مكاتيب واردة من الأحساء من عبد الله بن جلوي والقصابا ويعقوب ومن الغير تشرفون على الجميع إن شاء الله وأنتم بخير. أيضًا في 22 شوال ورد من القصابا عشرين ألف ريال 20000.