واحد اثنان ثلاثة.. تأرجح
(photos by Lance Gerber)
When you get on that swing – and I haven’t been on one for more years than I’d care to mention –
you immediately reboot
Donald Hyslop, Tate Modernt exhibition curator
نص: الأرجوحة
حياة كاملة
حين ترتفع
حين تنخفض
نرتفع معها ونخفض رؤوسنا
حين نخشى السقوط
تنقلنا بين مسافتين
لكنها لا تتوقف في المنتصف
من: امتداد يشبه الكتابة
«واحد اثنان ثلاثة.. تأرجح» هذا العمل ليس مجرد عرض أرجوحة للهو كما اعتقدت للوهلة الأولى أثناء زيارتي للمعرض الذي كانت تشغل حيزاً كبيراً في Tate Modern Turbine Hall في أول عرض للتصميم عام 2017 في المملكة المتحدة، لندن. وفي ظني أن الزوار الذين تهافتوا لتجربة التأرجح ساورهم ذات الاعتقاد لذا ضجت الساحة بقدر كبير من التفاعل الاجتماعي والديناميكية المدهشة. لم أكن أتصور أنها ستكون يوماً تتربع جبال العلا الشاهقة الوعرة والتي تمثل تاريخاً عريقاً داخل سياق ثقافي قبلي لا يؤمن عادة إلا بهويته وقوته ونفوذه داخل بوتقته بمنأى عن الآخر ويفخر بهذا الكيان التاريخي العريق الذي يمتد تاريخه لـ 300 سنة قبل الميلاد. وكان هذا الغريب الدخيل الذي يأتي على هيئة رحالة لا يشكل في الأغلب سوى عابر سبيل لا تتجاوز عملية الاندماج أو التشرب الثقافي منه إلا بالقدر الضئيل مما يجعل سلسة جبال العلا جامدة لا تتزحزح بكل فخر وشموخ وصلابة معتزة بهويتها لسنوات طويلة.. إلى أن تم مؤخراً، تم تنظيم عمل ضخم نفذته Desert X AlUla من31 يونيو حتى 7 مارس للعام الحالي 2020 بشكل تعاوني من قبل Desert X والهيئة الملكية للعلا (RCU)، وأقيم المعرض في صحراء العلا وكان الأول من نوعه في المملكة العربية السعودية.
المعرض كان عبارة عن حوار بين الثقافات بين فنانين من المملكة العربية السعودية والمنطقة المحيطة بها، وفنانين Desert X في كاليفورنيا كمشهد استثنائي يعكس الأهمية التاريخية للعلا.
منذ أسابيع قليلة في الرياض حيث نظمت جمعية تدعى ( SaSa) أنتمي لعضويتها وهي جمعية صداقة غير ربحية بين الدول الاسكندنافية والسعودية مهمومة بضرورات التجسير الثقافي والتواصل القائم على الحوار المفتوح بتوظيف أهم منافذ التواصل وهي الفن والموسيقى والأدب والنحت والشعر.. وما إلى ذلك من فنون تعكس الهوية الإنسانية المشتركة في إنسانيتها رغم اختلاف سياقاتها ومعاييرها المجتمعية.
من ضمن أنشطة الجمعية تمت استضافة متحدث من القائمين بتصميم «واحد اثنان ثلاثة - تأرجح!» والذي تم تصميمه بواسطة SUPERFLEX لمجموعة من الفنانين الدنماركيين. واسترعى انتباهي هذا التصميم العصري العظيم من بين تصاميم أخرى تضاهيه أهمية إذ تعكس قيماً إنسانية واجتماعية.
تشتهر مجموعة SUPERFLEX بتركيباتها وأفلامها المرحة. إذ تأسست عام 1993 من قبل الفنانين الدنماركيين Bj?rnstjerne Christiansen وJakob Fenger وRasmus Nielsen، وقد اكتسبت SUPERFLEX اعترافًا دوليًا بالمشروعات التعاونية والمعارض الفردية حول العالم.
وفكرته تشير إلى إنّ العيش وسط اقتصاد عالمي يعني أنك تعيش حالة تقلب دائمة: فتراتٌ من الحركة القوية تقطعها فترات من الركود المفاجئ. وتغدو هذه الفترات -فترات الركود- أمراً اعتيادياً، إذ يشكل رأس المال همزة وصل بين البشر في جميع أنحاء العالم، سواء يجمعنا لنرتفع نحو الأفضل أو ننخفض نحو الأسوأ. وتساؤل المصممين أنه: ماذا لو سخّرنا هذه الحركة لصالحنا؟ يضم العمل «واحد اثنان ثلاثة تأرجح!» عدة مجموعات في كل منها 3 أرجوحات تربطها أعمدة برتقالية متعرجة الاتجاه. وهي تتطلب من راكبيها تسريع الحركة بالاعتماد على مبدأ الحركة الجماعية المتزامنة، لتلهم المجتمع ألا يكترث بالأزمات السياسية والبيئية والاقتصادية التي يشهدها عصرنا الحالي. وتبدو هذه الأرجوحة الجماعية أشبه ببندول الساعة الذي يعتمد على القوة البشرية لتحويل الطاقة الدافعة إلى حركة تكاد تصل بهم لحالة الطيران: تأرجح، ثم حركة، ثم اندفاع إلى الأمام وإلى الوراء مع زخم متزايد بطريقة التوازن والمناورة اللامتناهية. وتتمثل رحلة التأرجح في ثلاث مراحل: اللامبالاة، والإنتاج، والحركة. والتي يجب أن يستفيد مستخدمو الأرجوحة من قوى الجاذبية عبر عمليات الدفع والسحب المتناسقة، إلى أن يتحرك الجميع في آنٍ واحد. وفي هذه اللحظة الممتعة، تتحرر الطاقة الكامنة لحركة المجموعة. عندها ربما من الممكن إحداث تغيير وتجربة تأثير عملنا الجماعي لتحقيق نوع مختلف من الزخم العالمي، والاستفادة من آلية التحرك معاً كوسيلة للتحول الاجتماعي والسياسي. إذ إن طاقتنا الجماعية والتي تتمثل في مفهوم الهوية الاجتماعية (الجماعية) Social identity بإمكانها تحدي قوانين الطبيعة ومقاومة كل ما يهدد هذا الكل الإنساني الذي يرزح تحت وطأة قوى تحاول قهره كفرد مقموع أو معزول.
وتأتي تلك القوة الجماعية بتحريك دوافعه نحو التحرك عالياً والصمود. هذا العمل يمكن ربطه بما يمر به العالم اليوم من تحديات على الصحة النفسية والعلائقية والهويات التي تتناحر فيما بينها، والتي بدفعة مشتركة من خلال التماسك الاجتماعي Social cohesion يمكن تحقيق هذا التضامن الاجتماعي أو الثقافي الذي يحرر الفرد من خوفه ويجابه بقوة الجماعة هشاشته الفردية.
وهذا التصميم سافر للكثير من المواقع المختلفة حول العالم بالإضافة إلى العلا في المملكة العربية السعودية، عرض في المنطقة منزوعة السلاح في كوريا الجنوبية، وقلعة «فوردينغبورغ» Vordingborg التي تعود للقرن الثاني عشر في الدنمارك.
ويجسد النظام اللوني للأرجوحات نفسها ألوان العملة الوطنية للبلد الذي يتم تركيب العمل فيه (كرمزية للرأسمالية التي تتحكم في مصير الأفراد والشعوب). ومع مرور الوقت، سيزداد حجم العمل فيما يستمر تمديد الدعائم البرتقالية وتضاف أرجوحات جديدة إلى أرجاء مختلفة من العالم.
وأختم بما ذكره Tate بأن واحد اثنان ثلاثة تأرجح بأنه: «يستكشف إمكانات الطاقة الناتجة عن الحركات الاجتماعية، ويرسم اتصالات غير متوقعة داخل المؤسسات والمجتمعات فيما بينها، ويقترح استخدامات جديدة للمساحات العامة الحضرية».
فمرحلة الركون للراحة والتأمل، مع تأرجح البندول المنوم، هي النقيض من التجربة التحريرية التعاونية للتأرجح معًا.
و»إن العمل يدعو الجماهير لمحاربة اللامبالاة الاجتماعية من خلال العمل التعاوني، والانضمام معًا ليس واحداً، ولا اثنان، بل ثلاثة».
** **
- د . هيلة عبدالله السليم